في لقاء على قناة البي بي سي البريطانيةBBC اطلق وزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر دعوى ربما تكون غريبة ، لكنها واقعية، كنت قد كتبت عنها قبل اسبوعين في مقال بعنوان ” مقال خطير ” .
الدعوة تقول ان العراق بحاجة الى دكتاتور عادل ، او ما يطلق عليه في الادبيات السياسية بـ ” المستبد المستنير” ، وهذا المصطلح ظهر للمرة الاولى أبان عصر النهضة ، وتتلخص فكرة المستبد المستنير او الدكتاتور العادل او القوي الامين ، بعملية التغيير من أعلى هرم السلطة صاحب القرار القوي .
عندما كانت اوربا ترزح تحت حكم دوغمائي ثيوقراطي ” ديني ” من قبل الكنيسة، جائت فكرة الاستبداد المستنير .
لمواجهة الحرية الفوضوية ، التي مارستها الجماهير ، فهناك الكثير من الفلاسفة الاوربيين ومنهم فولتير احد اهم منظري الثورة الفرنسية ، آمنوا بأن السلطة التي يرأسها دكتاتور عادل يؤمن بالتسامح والحريات العقائدية، ويحرر السلطة من ضغوط رجال الدين ” الاكرليك ” هو الوحيد القادر على خلق معادلة وطنية تأخذ الوطن نحو الحضارة الانسانية . فحينما تكون العقيدة خيار شخصي وحرية شخصية محترمة، دون ان تدخل بالتشريعات في المجال العام ، ومحمية من قبل السلطة المستبدة ، حينها سيكون الناس في مأمن .
ما قصده الشيخ حمد بن جاسم هو تحرير العراق من الفوضى السياسية التي افضت الى تجزئة السيادة ، ومصادرة قراره السياسي في كثير من المحافل.
ونظرية الدكتاتور العادل او المستبد المستنير هي من اجل مصلحة الشعب ، كما يقول امبراطور النمسا ” كل شيء من أجل الشعب ولا شيء في ايديهم ” ، أي ان المصلحة العامة يفهمها النخبة من المخططين وليس العامة. فالهدف الاساس. للسلطة هو تحسين احوال الناس ، ولكن دون مشاورتهم.
وما يحدث في العراق هو ان مناسيب فوضى الحرية مرتفعة جداً ليس لها سقف ، وهذا ما جعل الفاسدين والسراق والمهملين والمبتزين وتجار المخدرات والمعتدين على المال العام اكثر حرية
وكما يقول المثل ، “منْ أمن العقاب أساء الادب ”
حينما تكون مراكز القرار متعددة ولكلٍ منها ميوله الخاص، وحساباته الخاصة ، عندها تضيع الحقيقة ويغيب الحق ، ويخيم ظلام الباطل .
ان الدعوة الى الدكتاتورية العادلة ، ليست دعوة انتصار لحكام الغلبة والاستبداد ، بل هي معالجة حقيقة لوضع شاذ .
فالحرية والديمقراطية والتحرر ليس ادوات للفوضى ،وانما للسعادة والامان ومساحة للاختيار العقلاني .
فبعد التجربة المريرة التي مر بها العراق والتي انتجت الفوضى الهدامة ، هناك الكثير يطالبون بالدكتاتور العادل ، وربما يمكننا تفسير حنين البعض الى النظام السابق ، ليس حباً به وربما البعض منهم لم يعاصر تلك الحقبة ولم يرى مأساتها، لكنه يكره الفوضى والحرية المتفلتة .
المنفلته بكل شئ في الاعلام والوظيفة والتعليم والصحة والسياسة والفن وغيرها .
غياب الرقيب انتج لنا تشوه كبير في طبيعة المجتمع على كافة المستويات .
لا اريد هنا ان اعدد مصاديق هذا التشوه وهي كثيرة وواضحة تحتاج الى معالجات استثنائية ، لا يمكن ام تنجح دون وجود رؤية دكتاتورية عادلة، تهدف بالدرجة الاولى الى تقويم الاعوجاج في السلوك العام ، سواء الوظيفي او الامني او الثقافي .
لذا لابد من ان نتفق على حاجة العراق الى دكتاتور عادل ….. نعم عادل .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *