قرأت يوما ، في ما يسمى أدب (الفانتازيا) المعروف بتحرره من قيود المنطق والشكل والسرد، ويعتمد اعتماداً كلياً على إطلاق سراح الخيال إن (الصدق والكذب) أرادا ان يستحما في نهر الحياة ، فنزعا ملابسهما ونزلا في النهر ، غير ان الكذب طمع في ملابس الصدق الزاهية ، فغافله وسرق ملابسه ، ومنذ ذلك الوقت والكذب يتزين بملابس الصدق ، ويتعامل باسمه ومازال الصدق عاريا يبحث عن ملابسه!
وبعيدا ، عن حكايتنا ( الفانتازية ) اجد ان المساحة البيضاء التي تمثل الصدق والحقيقة والواقعية ، في اضمحلال ، واصبحت مجرد ادوات وتعابير هدفها ذر الرماد في العيون ، بينما الضفة الاخرى ، التي تمثل الكذب والكتمان والخرس والعنف في اتساع رهيب ، ونقلت صفحاتها السود الى العلاقات الاجتماعية ، ووصلت الى الحياة الاسرية .. ولا ريب ان الجميع سمع بقصص العنف التي يمارسها “الاباء” بحق الابناء ، التي وصل بعضها الى القتل بأبشع صوره ، والتشريد الذي تمارسه بعض الأسر بحق كبار السن من الاباء والامهات .
آسف ، قارئي العزيز ان ازعجتك ، بنقلي صورة ، تلمستُ ابعادها ، وشعرت بخطورتها ، لكن الصدق لا بد ان يتغلب على جبروت الكذب .
لقد توقفتُ ملياً امام زلزال الأرقام التي امامي ، بشأن تغليب الكتمان على الحقيقة ، والكذب على الصدق , وغلبة النكران ، على السلوك الانساني ، و انتابني شعور ان هذا الامر يمثل قنبلة تهدد الرأي العام ، وتضفي حالة من القلق على ديمومة الحياة ، وترسم سوادا عميق الاثر في الواقع النفسي للمجتمع برمته ، من خلال تهديد كافة الاسر . وامثال هؤلاء نسوا ان الحقيقة لا يمكن اخفاؤها ، ولا عذر لمن ادركها وتخلى عنها .. وهي ساطعة كالشمس ، فيما الكذب ، قد يتغلب على الصدق في مرات قليلة ، لكنه يسقط امامه لاحقا ، فمن عاش في العتمة زمناً يفاجئه النور ، فيصيبه العمى المؤقت ، فتنكر العين الضوء، وما أصعب ان تنكر الحقيقة !
دائما ، اقول لنفسي لا تنتظري صديقا او حبيباً باعك ، وانتظري سراجاً جديداً يمكن أن يتسلّل إلى قلبك الحزين ، فيعيد لأيّامك الوهج، ويعيد لقلبك نبضه الجميل ، لا تحاولي البحث عن حلم خذلك، وحاولي أن تجعلي من حالة الانكسار بدايةً لحلمٍ جديد… تمسكي بالصدق مهما زعل منه الأخرون ، فالكتمان والكذب علامتا الخذلان .. ابق أمينة على حقيقتك وصدقك… فذلك من صفات الفرسان ..
قناعتي راسخة أن الانسان ، لا يحيا بالكذب، بل يحيا بالصدق, لأنه يعيش هذا الواقع بحلوه ومرّه الأكبر ، وأعرف ايضا ان المعاناة لديها جانبها من الفرح، و اليأس له نعومته ، ولا يصل الناس الى حقيقة النجاح ، دون ان يمروا بمحطات التعب و الفشل و اليأس ، و صاحب الارادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات .. فالصدق والحقيقة اقوى من الصعاب ، والكذب والكتمان ستارة مسرح بال .. ويبقى الصدق سيد الاختيارات ، والحقيقة لن تأتي من خواء ، بل تأتي من براعم غضة تتمايل مع الشمس في غنج بديع ، وتستقبل المساء بشموخ اخّاذ ، مقترن بأريج بديع من العبق الفوّاح ، ومثلما ان الصدأ يأكل الحديد ، فالأحزان على ما نسمع ونشاهد من على شاشة التلفزيون من جحود وعنف اسري ، تأكل الفؤاد…!
____________________________

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *