امرأة جميلة اسمها طاهرة، بلغت من العمر خمس وثلاثون عاماً، ولم تتزوج، وكلما تقدم لخطبتها أحد، عندما يرى جبهتها، يرحل دون عودة، أي لعنة حلت على طاهرة، حتى يعرض عنها كل من يراها.
هي على هذه الحال منذُ عشرون عاماً مضت، ماذا في هذه الجبهة التي ينفر منها كل من رأوها، شيء يثير الفضول والاستغراب، هي امرأة عاقلة، وشريفة تكدح في عملها، تسكن دار قريبة من محل عملها، تعيش وحيدة، لا يزورها أحد، ولا يُعرف لها أهل ولا أقارب، كثيرة الصمت، أكملت دراستها، ولكنها لم توظف.
بهذا الغموض أثارة فضول رجل أرمل لديه أطفال صغار، أعتقد إنها تصلح أن تكون لهم أماً، فتقدم لها خاطباً، فرفضت رفضاً قاطعاً ولم تعطه فرصة حتى للكلام، ولكنه ظل مصراً عليها، وأخذ يكرر طلبه كل يوم.
ماذا أفعل يا رجل حتى تعتقني لوجه الله من خطوبتك؟! قالت هذه الكلمات بعصبية وغضب، صمت قليلاً ثم قال: حدثيني بقصة هذا الوشم، فقد أخبرني بعضهم عنه، ونصحني بالبحث عن امرأة أخرى، ولكنني مصراً عليكِ، لأنني لا أصدق أن تكوني زانية، لأني لم أرَ عليكِ ما يدل على هذا المعنى، فأنتِ بهذا الحي تعملين في هذا الدكان منذ سنون طويلة، حيث كنتِ أجيرة ثم مالكة للبيت والدكان.
بكت بحزن، وحرقة ثم رفعت رأسها وهي تكفكف دموعها، ما أهون الموت على الحر، إذا غدر الزمان به وتخلى عنه الأهل والخلان، وحتى لو عرفت لن يتغير شيئاً، إجاب بكل ثقة: لا ربما يتغير كل شيء.
ضحكت: ربما … ربما هو احتمال ضعيف لا يرقَ حتى للظن، مع هذا سأحكي لك قصتي، قبل عشرون عاماً كنت فتاة ذات خمس عشرة ربيعاً، غبت يوماً عن دوام المدرسة بسبب وعكة صحية، وعصراً ذهبتُ إلى زميلة لي لمعرفة ماذا أعطن المدرسات من واجبات مدرسية، ورحبت زميلتي بي، وقدمت لي شراباً من العصائر الطبيعية من باب الحفاوة، وكرم الضيافة هذا على الأقل ما ظننته وقتها، ولكنها وضعت فيه مخدراً قوياً، ولم أعِ ما جرى لي بعدها حتى أفقت في السجن بتهمة البغاء، لأن الشرطة عثرت عليّ في دار للبغاء، واكتشفت أني لم أعد عذراء.
مهما حاولت الدفاع عن نفسي، لم أجد أحد يصغي إلي حتى أهلي، وحكمت بسنة سجن، ثم عندما ذهبت لأهلي بعد انتهاء مدة السجن، قد وشموني بهذا الوشم وهو عرف عشيرتنا في معاقبة من يرتكب خطيئة، ونبذوني وصدر عليّ حكماً بالنفي من بلدتي، وعشيرتي، وحتى بعد أن أكملت دراستي أردت أن أتوظف بشهادتي لم يقبل طلبي لوجود سابقة مخلة بالشرف، فصرت وصمة عار على نفسي وأهلي وعشيرتي وبلدي، لم ينصفنِ المجتمع ولا الدولة.
ولكن هل علمت كيف وصلتِ لتلك الدار المشبوهة، نعم علمت بعد سنوات طويلة، مع أن أهل تلك الدار كانوا يتواصلون معي، وأنا في السجن وبعد السجن للعمل معهم وقدموا الكثير من الإغراءات، ولكنني رفضت أن تطأ قدمي تلك الدار بإرادتي، لأني دخلتها مسلوبة الإرادة أول مرة.
كيف علمتِ ما جرى؟ جاءت يوماً زميلتي وقد أصابها الله بالمرض الخبيث، وقد أنهك قواها، وقد تساقط شعرها بسبب العلاج يضعونها على كرسي متحرك، لم أستقبلها في بيتي بل بالحديقة العامة، سألتها: ماذا فعلتِ بي ولماذا؟
بعد تخديرها، دعت أخيها ليسلبها شرفها ثم باعتها لتلك الدار بمبلغ كبير، ثم بلغت الشرطة لتفضح زميلتها، أمام الجميع، بدافع الغيرة والطمع، نهضت طاهرة لتقول لها: أذهبي للجحيم.
في هذه الأثناء رن جرس الموبايل، وإذا بأهل زوجته الفقيدة يهددونه بأخذ بناته منه إذا تزوج هذه المرأة.
سمعتْ كلامهم في الموبايل: قامت وهي تضحك: لا تعد إلى هنا مرة أخرى.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *