أخيرا غرمنّي رائد المرور بشار خمسين ألف دينار في يوم جمعة رمضاني مبارك ، واذا كانت الغرامة تعني عقوبة ، فأنا أستحقها و(حيل وأبو زايد) كما يُقال ، أعترف بذنبي وتقصيري وتكاسلي ، وعدم التحلي بالصبر الذي يتصف به غيري من المواطنين ، والا ما معنى أن تمضي سنوات على عدم تجديد سنوية سيارتي ، أليس انت من تعلم الناس النظام ، وتحثهم على الالتزام بالقوانين والتعليمات ، هكذا واجهني الأخ بشار بمجرد أن عرف هويتي الوظيفية ، قلت له : نعم وما زلت تواقا لبلد تسوده هيبة القانون ، ويطبق المواطنون فيه النظام بحذافيره بفعل الوعي وليس بفعل الخوف من القانون فقط ، وان هذه الفوضى التي تعج بها بلادنا حصيلة تجاهلنا للأنظمة والقوانين ، وما تأخرنا عن بلدان الدنيا الا بفعل ذلك ، ابتسم رائد المرور ، لكن ابتسامته لم تمنعه من كتابة وصل الغرامة قائلا : اذا كنت هكذا لماذا لم تجدد سنوية سيارتك وانت الاستاذ الجامعي المعروف بكتاباتك الصحفية ، ومنها مقالاتك النقدية لدوائرنا؟.

أحرجني كلامه وأسعدني في الوقت نفسه، لكني بادرته بما صدمه بأني لا أعده بتجديد السنوية ، وان غرامة مالية كل بضعة أشهر وتتحكم بها الصدفة أسهل عليّ من مراجعة دائرة المرور التي تتبع لها سيارتي ، خصوصا اذا كانت في محافظة أخرى ، وتتطلب استبدال أرقام ، فمراجعة دوائرنا المختلفة بضمنها المرور معقدة للغاية ، مزدحمة على الدوام ، تقتضي وقتا وصبرا طويلا ربما يستمر لأشهر وليس لأيام ، كما هي حال زميلي الذي استغرق تحويل سيارته واستبدال أرقامها ما يقرب الشهرين ، مع مراجعة اسبوعية انتهت في الاسبوع ما قبل الأخير الى اصدار نسخة واحدة من الرقم وليس نسختين ، وما زال حتى الآن يحمد الله ويشكره في صلواته الخمس على اتمام المعاملة بخير وسلامة ، او تلك الحادثة الطريفة التي حدثت لصديقي العام الماضي عندما أصدرت احدى دوائرنا المرورية له اجازة سوق باسم امرأة ، لا انتقدهم هنا أبدا ، يمكن لمثل هذه الأخطاء أن تحدث ، فلسنا معصومين من الخطأ والسهو ، لكن العراقيل برزت في عملية التصحيح ، وتشنج وعناد البعض من الموظفين ، مع ان صديقي ليس مسؤولا عن هذا الخطأ الذي يستوجب اعتذارا منهم ، وتصويبه بأسرع وقت ممكن ، وليس تركه يتلظى بحرارة صيفنا اللاهب لأيام .

يتذمر الكثير من الناس من مراجعة دوائرنا ، ومستعدين للتوجه لأي مكان على ألا يكون ذلك لمراجعة دائرة حكومية ، غالبيتهم راغبون بإنجاز ما مطلوب منهم قانونا وتجنب العواقب المترتبة عليه ، لذا أقول لجميع المسؤولين : سهلّوا الاجراءات واحترموا وقت المراجعين ، ستجدون الجميع ممتثلين للقانون ، وأظنه مطلبا واقعيا بسيطا ، اما وصول ما نريده لبيوتنا عبر الانترنيت ، فذلك من سابع المستحيلات.

وفي أثناء الحوار المسترخي مع رجل المرور ، مرت ثلاثة تكاتك من الاستدارة القريبة ، هنا ضحكت في داخلي للتناقضات التي تعج بها حياتنا العراقية ، يحاسبونني على عدم تجديد السنوية ، بينما تجول وتصول التكاتك في قلب المدينة من دون أرقام و لا اجازة سوق ، وبقيادة فتيان دون سن الرشد بينهم أطفال .

قال صاحبي مرة : ان الدولة مسؤولة عما يجري ، هي التي سمحت للتكاتك بالدخول للبلد ، فاستفحلت ظاهرتها وخرجت عن السيطرة ، وهي حائرة الآن بين منعها والسماح لها ، هي معيلة حقا للكثير من العوائل ، لكنها ظاهرة متخلفة ، ولا يلتزم أصحابها بقواعد السير ، ويدفع سواق السيارات أثمانها باهظة لما تسببه لهم من مشكلات ، وأتحدى أعلى سلطة أن تجد علاجا لاستفحال سرطان التكتك . وأضاف صاحبي : الدولة هي من سمح باستيراد هذا العدد الكبير من السيارات بما لا تسعها شوارعنا ، بدون أن يكون لمسؤوليها بعد نظر ، وبدل أن تحاسب نفسها تعرضنا للمحاسبة والغرامات ، مؤسساتنا كغراب آل رياح ، اعذروني عن التفسير لأنه يزعّل الكثيرين .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *