لم يترك سوءا من قول، أو فعل إلا وجاء به، ذلك هو فرعون ملك مصر الذي تزامن حكمه مع ظهور اليهودية، وصعود بني إسرائيل الى الواجهة كقومية فاعلة مازجت بين الدين والعرق في أغرب خلطة أرهقت البشرية الى يومنا هذا، والى مدى زمني قادم لايعلمه إلا الله، وكان خصمه موسى النبي المرسل الى بني إسرائيل وإليه حين أمره الله بأن يذهب الى فرعون إنه طغى وتجبر في الأرض، وتحدى الرب حتى أهلكه بالغرق, وجاز موسى بقومه البحر الى حيث يأمنون على أنفسهم ودينهم.
لم يتبق من فرعون سوى مومياء حنطها خبراء مصر القديمة، وبقيت بفعل المشيئة ٱية للناس لعلهم يتعظون، ويكونوا صالحين في حياتهم ولايتكبرون، فرعون ممدد في حافظة من الزجاج في المتحف المصري, ويتاح للسياح أن يمروا به، ويمنعون من التصوير، حينها كان متاحا لي دون أن يشعر بي أحد أن أبصق في وجهه وأوبخه، فقد مضى ضعيفا مهانا، لايذكر إلا وذكر معه الطغيان والتجبر, ثم الإنكسار والهزيمة والبقاء كسبة وضياع بلاقيمة تذكر، ولاينال من الناس سوى الإزدراء والتوبيخ والإستنكاف.
مثل فرعون كل واحد منا سواء كان إمبراطورا، أو حاكما، أو وزيرا، أو مسؤولا بدرجة ما تجعل أمور وحياة فئات من الناس بيده، يتحكم فيها، وعليه في الواقع أن يحترم هولاء، ويلبي حاجاتهم، ويسهر على راحتهم، وعلبهم أن يطيعوه في عدله، لا في ظلمه ونقصه وعقده وخساراته الماضية، فالبعض يكبر بالمنصب، وبعض يكبر به المنصب، وبعض يشرفه المنصب، وبعض يشرف المنصب، وكم من واحد منا أكبر من الكرسي، وكم منا والكرسي أكبر منه. فتجده يحاول الترفع والتباهي، وتعطيل معاملات الناس، وإستغلال حاجاتهم ويتعالى عليهم، وحين يغادر المنصب، أو يطاح به تجده سهلا لينا طريا طيبا، يعود الى تواضعه، بينما الناس تتذكر ماكان عليه، وتستهجن منه ماكان وتذكره بحاله عندما كان في المنصب, وكيف تكبر وتجبر عليهم، بينما هو اليوم بلامنصب, ذليلا حسيرا كسيرا يتودد الى هذا وذاك، وكان جديرا به أن يكون سهلا في كل الأحوال, وطيبا فلا يحتاج الى التذلل لهذا أو ذاك، لكنها الدنيا الدنية، ونقص يعتري النفس, فتتوه في غياهب الغرور والخديعة للذات.