مطار صبيحة التركي يعدّ الآن إحدى بوابات العراق الى العالم ! في ظلّ الغموضِ والتعقيدِ الذي يحيطُ حرمانَ الخطوط الجوية العراقية من الوصولِ الى دولِ أوربا ، تاركةً العراقيين المسافرين منها واليها مثل النازحين يعبرون بحقائبهم أكثر من مطارٍ وسيط وأكثر من محطة تفتيش لتمتدّ رحلة الأربع ساعات أو أكثر بقليل الى اثنتي عشرة ساعة وربما أكثر من ذلك بكثير حسب ساعات الترانزيت المملة والمرهِقة في الدوحة أو استانبول أو القاهرة أو اية جهة وسيطة .
ليس هذا موضوعنا بالتحديد، بل هو اسم صبيحة الذي لايوجد عراقي مسافر الا وسمع به ونزل عنده ، فمن هي صبيحة التي حَمَل هذا المطارُ التركيُ الشهير اسمَها؟
صبيحة ليست ملكة أو اسطورة مفترضة ، انها أكبر من ذلك، صبيحة (جوكشين أو كوكجن او كوكشن) حسب اختلاف الترجمة Sabiha Gokcen أول امراة تقود طائرة في تركيا والعالم ، مدنية وعسكرية ، ولذلك تم تكريمها من بلدِها وشعبِها باطلاق اسمها على أكبر مطار في تركيا ( سابقا) لان غزارة البناء والتوسعة والابتكار في تركيا لاتجعل من جسر أو مطار أو بناء كبيراً الاّ لوقت قصير بعد أن يُنجَزَ ماهو أكبر منه رغم كل ما مرت وتمر به البلاد من ظروف . لم يسألوا عن دينها أو حزبها، وهل هي من جنوب تركيا أم من غربها أو شمالها؟ ،
كرّموها لانّ عَلمَ تركيا الحديثة على صدرها وهي تكسرُ القيود الاجتماعية الضيقة وماورّثته دولة الخلافة التركية من فئتين من النساء لاثالث لهما .. اما عاطلات عن العمل محصنات في بيوت السلفيين ، او عاطلات عن العمل كجاريات من بين حريم السلطان حبيسات قصورهم ،
حتى بروز اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة الذي أخرجَ قلب تركيا من جثة تلك الامبراطورية المريضة التي صدّرت التخلفَ والتناقضات ، لتسقط أخيرا بعد ان تحالفت مع النازية، وهُزِمتْ وتمزّقت وخرجت الدول والشعوب التي كانت تحت سطوتها الى الحياة .
صبيحة غوكشن ابنة تركيا الحرة كانت رمزاً ومضاداً نوعياً لتلك الحقبة المظلمة، إحدى الشخصيات البارزة في التاريخ التركي.
ولدت الطيّار صبيحة يوم 22 آذار/مارس من العام 1913 بمدينة بورصة التركية.بعد رحيل والديها تبناها اتاتورك بعد ان تحدثت اليه عن ظروفها خلال زيارته مدينتها وطلبت منه الدراسة في مدرسة داخلية وهي بعمر 12، استأذن اتاتورك اخاها وقرر تبنيها لتصبح ثامن ابنائه وبناته ، مانحاً اياها لقب ” Gokcen ” الذي يعني بالتركية “مُتصل بالسماء” في يوم 19 كانون الأول/ديسمبر من العام 1934.
يوم 25 شباط/فبراير 1936 كان يوماً تاريخياً بالنسبة للفتاة صبيحة حيث قادت طائرة للمرة الاولى في حياتها، ثم تصبح بعد دراستها الطيران في موسكو طياراً عسكرياً فور إنهاء تعليمها .لتشارك في مناورات بحر إيجة العسكرية عام 1937 وكانت أول طيار مُقاتلة. قامت بجولة طيران لوحدها استمرت 5 أيامٍ في البلقان، ثم عادت لإسطنبول في 22 حزيران/يونيو 1938. وهي اول امرة يحمل زوجها لقبها بدل أن تحمل لقبه كما هو معتاد . وأول امراة تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأول طيار في تركيا والعالم من النساء، فقد وصلت ساعات طيرانها الى أكثر من 8000 ساعة منها 032 ساعة مهام قتالية.
أخر عهدها بالطيران كان عام 1996 وهي في سن 83 حيث قادت غوكشن وهي في هذا العمر رحلتها الأخيرة على متن الطائرة “فالكون 2000”.
ساهمت غوكشن بدرجة كبيرة بتطوير قطاع الطيران التركي ورفع مكانة المرآة التركية ومُنحت أكثر من 30 ميدالية من الاتحاد الدولي للطيران والولايات المُتحدة وغيرها.
رحلت صبيحة غوكشن عن عالمنا يوم 22 آذار/مارس من العام 2001 بمدينة أنقرة عن عمرٍ ناهز 88 عاماً، وهو نفس تاريخ ميلادها. وبقي اسمها يتردد يومياً آلاف المرات على تذاكر القادمين والمغادرين من المطار الذي يحمل اسمها، والواقع في نصف استانبول الآسيوي، تكريماً لها لجهودها واثرها في تاريخ بلادها.