– حزيران العام 1984 عينتُ مديراً للبحوث والتدريب في مركز التوثيق الإعلامي لدول الخليج العربي.. (وهو منظمة إقليمية تضم وزارات إعلام دول الخليج العربية السبعة: الإمارات.. البحرين.. قطر.. الكويت.. عمان.. العراق.. والسعودية.. ومقره بغداد.. ورئيس مجلس إدارته وزير إعلام العراق.. باعتباره الدولة المضيفة).
ـ بعد أشهر كُلفً المركز في مهمة فهرست وتنظيم الأرشيف الحكومي الموجود في المركز الوطني للوثائق العراقي ببغداد.. الذي يضم كل الوثائق منذ تأسيس الدولة العراقية 1920 حتى العام 1963.
ـ أشرفتُ أنا على فريق العمل الخاص بالمركز.. المكلف بهذا العمل ألتوثيقي الضخم.
ـ أضافة الى قيامي بتنظيم وفهرست الوثائق الخاصة بالبلاط الملكي والعائلة المالكة.. ورئاسة الجمهورية حتى العام 1963.
ـ وخلال هذا العمل تبلورت عندي فكرة تأليف كتب عن ملوك العراق الثلاثة.. وأخذت أجمع وأستنسخ كل وثيقة تفيد مشروعي هذا.
ـ خلال زيارتي للعاصمة الأردنية عمان العام 1986.. وإذا بصوت نسائي رقيق يناديني من خلفي: (هادي.. هادي).. لم اسمع أحداً بعد تخرجي من الكلية ينادي باسمي مجرداً ومباشراً.
ـ في البداية لم التفت اعتقاداً مني إن المنادي ليس عليً.
ـ ومع استمرار الترديد التفتُ إليه.. وإذا بها أحدى زميلاتي في الكلية.. وكانت عائلتها على علاقة بالعائلة الهاشمية.
ـ وخلال الحديث.. أبلغتها رغبتي هذه.. فأخذتي في اليوم الثاني للمكتبة الوطنية في عمان.
ـ بهرتُ بهذا الأرشيف الخاص بالعائلة المالكة.. وبدأت تنضج فكرة الكتابة عن ملوك العراق الثلاثة.. لأعود بعد مدة وقضيتُ عشرة أيام في عمان على حسابي الخاص.
– لأوثق حياة العائلة المالكة في العراق.. وبدأتُ بتأليف كتابي عن حياة وسيرة الملك فيصل الأول وحكمه في سورية والعراق.. بحيث تكون المعلومات جديدة.. أو إضافات مهمة وغير مطروحة في الكتب الصادرة بهذا الشأن.
ـ ما أثارني هو قلة المعلومات عن حكم فيصل الأول ملكاً على العرش السوري (1918ـ 1920).. وفهمتُ إن المكتبة الوطنية في دمشق يتوفر فيها أرشيفاً كاملاً عن تلك الفترة.
ـ بعد مدة شددتُ الرحال إلى دمشق وقضيتُ فيها 20 يوماً.. لأحصل على معلومات مهمة عن عهده في سورية.
ـ وبعد التدقيق وتنظيم الوثائق والمعلومات.. وجدتُ إن استكمال البحث بشكل رصين وواقعي يتطلب زيارتي الأرشيف العثماني في اسطنبول.. لأن فيصلاً وعائلته عاشوا بإقامة جبرية في الأستانة 15 سنة.. ولعب هناك دوراً مهما في دعم الحركة العربية الاستقلالية.
ـ نويتُ السفر الى اسطنبول.. لكن وضعي المادي كان صعباً جداً.. إلا إن الله كان معي.. وتذكرتُ زميلاً أمينا وصادقاً ليً هناك.. اتصلتُ به.. تبرع في استنساخ كل ما يخص فيصلاً في الأرشيف العثماني.. وفعلاً وصلني كاملاً.
ـ وهكذا بعد كل هذه الرحلات والجهود الجبارة جمعتُ المعلومات.. بدأتُ العمل الجدي.. وفعلاً بعد جهود مكثفة استكملت مسودات هذا الكتاب.
ـ في تلك الفترة أخذ تلفزيون العراق في عهد رئاسة سعد البزاز.. يهتم في شخصيات العراق الملكي.. تحت شعار: (تلفزيون راق لشعب راقي).
– واخذ الدكتور مظفر الادهمي يظهر على شاشة التلفزيون أسبوعياً ليقص علينا قصة عن الملك فيصل الأول وغيره من شخصيات العراق!!
ـ لكن صدام وجه ضربة قاضية للبزاز في نيسان 1991.. عندما قال في اجتماع مع مدراء ومسؤولي وزارة الإعلام.. لا يوجد شخصيات في العراق.. هناك شخصية واحدة.. وهكذا توقف هذا البرنامج وغيره.
ـ ولم يعد هناك شخصية على شاشة التلفزيون سوى (صدام).. مما انعكس حديثه على كتابي هذا.. حتى أشار لي بعض الأصدقاء تأخير نشره.
– احدهم كان وزيراً قال لي: “أنت صوفك حمرة.. والنوبة فيصل.. مؤسس الحكم الوطني في العراق”!!
– قلتُ له يعني راح تصير صوفتي بيضة إن لم أنشره.. ضحك وقال أعتقد تصير رمادية.. ضحكنا.. لكن أخذتني الهواجس.. بمقولة (صوفتك حمرة)؟؟؟.. وأنا أعرف هذا الوزير كلماته دقيقة جداً!!
ـ المهم: في العام 1997 سافرت الى ليبيا أستاذا جامعياً فيها .. واستغليت أوقات الفراغ الطويل فيها.. واستكملت الكتاب.
ـ وبعد قراءته الأخيرة كنتُ غير مصدق بهذه المعلومات التي تنشر لأول مرة عن فيصل وشخصية وفترة حكمه.. حتى إنني أحسست الخطر قائم.. بل قريب مني أن نشر هذا الكتاب!!
ـ فالقارئ سيتوصل عند قراءة الكتاب: إن فيصلاً كان يسير بخطى ثابتة لاستقلال العراق.
– وهو أول ملك ليس في العراق.. بل في التاريخ العالمي يتعاون مع المعارضة للضغط على بريطانيا لنيل حقوق الشعب العراقي.. ضمن مبدأ (خذ وطالب).. الذي سار عليه.
ـ المهم: لم يعد الوقت لصالحي في نشر الكتاب في ظل ظروف الحصار.. واشترت مني دار رياض الريس في بيروت حقوق التأليف لهذا الكتاب لخمس سنوات.. بمبلغ لم يسد ما صرفته في عمان فقط.
– وخلال حديثي مع مدير دار النشر عن تسويق الكتاب الى العراق.. طمأنني بان العراق عليه حصار فلن نصدر له الكتب!!
ـ المهم نشر كتاب (الملك فيصل الأول) هذا في كانون الثاني العام 2003.. ولاقى الكتاب رواجاً في الدول العربية كما أبلغتني دار النشر… حيث إن هذه الدار تقيم معارض للكتاب في كل الدول العربية.
ـ لكن ذلك لم يمنع من دخوله للعراق.. من خلال إقامة معارض للكتاب في بغداد.. ومشاركة دور النشر العربية والأجنبية.. خلال الفترة الأخيرة من حكم صدام.
ـ بعد أشهر من سقوط نظام صدام دخل الكتاب للعراق بشكل كبير.. وفعلا سجل مبيعات كبيرة.. جعلت الناشر يرسل لي 500 دولار.. سألته السبب.. قال نفد الكتاب بوقت قياسي.
– وهذه سياستنا تقدم مبلغ هدية للكتاب السريع البيع!! واتفقنا على طبعه ثانية.. وطبع وكان السوق الأساس له بهذه الطبعة.. العراق.
الملكية بعد 2003:
ـ بعد حوالي شهرين على سقوط نظام صدام.. التقيتُ صدفة الشريف علي بن الحسين (الذي جده هو الملك فيصل الأول).. في نادي الصيد.. وجرى حديث عن النظام الملكي في العراق.. فدعاني الشريف علي بن الحسين لزيارته.
ـ لبيتُ الدعوة وزرتهُ في مقره بالحركة الدستورية الملكية في الكرادة الشرقية.. وقدمتُ له نسخة من كتابي هذا هدية له.. فسألني: ما هي النتيجة التي توصلت إليها من خلال كتابك هذا؟.
يبدو إن جوابي لم يشفِ غليله.. فسألني عن رأيي في إقامة حكم ملكي في العراق حالياً؟ حدثتهُ بكل صراحة بأن الاتجاه العام في العراق نحو إقامة حكم جمهوري.
ـ تفاجأ الرجل برأيي.. ويبدو إن المتملقين.. وما أكثرهم أقنعوه بأن العراقيين متمسكين بإقامة النظام الملكي.. ويحاولون الحصول على أموال منه للدعاية له.
ـ أكدتُ له رأيي إن سياسة الأمريكان ليست كسياسة بريطانيا.. كما إن الأوضاع تغيرت بشكل كبير.. والاتجاه العام إقامة نظام ديمقراطي جمهوري.
ـ وأوضحت له بأن العراقيين يحترمون الملك فيصل الأول.. فقد كان ملكا عمل بكل ما يستطيع لإقامة العراق الحديث.. واستطاع برغم الضغوط الكبيرة التي كانت تمارسها بريطانيا.. أن يحقق ما لم يحققه من بعده لا غازي ولا عبد الإله ولا فيصل الثاني.. ولا حتى نوري السعيد.
– وهو أول ملك في العالم يتعاون مع المعارضة الوطنية العراقية ليحقق للعراق استقلاله الكامل!!
ـ وأضفتُ قائلاً.. صحيح إن الكثير من العراقيين يحبون نوري السعيد لأنه سياسي حكيم.. كما يحبون الملك غازي لأنه وطني.. ويحبون فيصل الثاني لأنه مات غدراً.. وهو في مقتبل عمره.
– أما التفكير في إعادة الملكية في العراق فقد تجاوزها الزمن.. ويبدو انه لم يكن يقتنع بحديثي هذا.. ودعته.. لكن الزمن أثبت له صحة أقوالي.
ـ بقيً: أن أقول: تضمن كتابي هذا معلومات حية لم تنشر سابقا.. منها:
ـ علاقة فيصل بالإنكليز:
ـ فقد كانت قبل سقوط الدولة العثمانية علاقة تحالف مع أبيه ومعه.
ـ ودعمت بريطانيا فيصلا ليكون ملكا على العراق.
ـ وبعد أن أصبح فيصل ملكاً على العراق.. كان مقتنعاً إن بريطانيا هي سيدة الموقف في حكم العراق.
– لكنه كملك كان يعمل أن يحكم .. ولابد بد أن ينتزع.. وبشكل متدرج حقوقه وحقوق العراق.
ـ لذلك بدأت العلاقة تتغير من علاقة ود.. الى تأزم.. والى التهديد والوعيد من قبل بريطانيا.
ـ وكانت علاقة فيصل بالمعارضة العراقية الخفية.. ومحاولات فيصل تعزيز سلطته أمام المندوب السامي البريطاني.. من خلال اختيار رؤساء وزارات قريبة أليه.. لكن لم تنجح في كثير من الأحيان.
ـ ومرت العلاقة مع بريطانيا في الفترة الأخيرة من حياة فيصل في صراع مستمر.. من أجل السلطة.. ومن أجل تحقيق الحد الأدنى من المطالب الوطنية.
– وتحمل فيصل ضغوط الضغوط.. واستطاع أن يفت في كثير من الأحيان في عضدها.. واستطاع أن ينتزع من فم التمساح مطالب ليس من السهل انتزاعها.
ـ تأزمت العلاقة بين بريطانيا وفيصل في الفترة الأخيرة من حياته…. فأخذت بريطانيا تحاول إنهاء حكم فيصل.
– فهل موته بظروف غامضة كانت من عمل بريطانيا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ـ كان فيصل شديد الحرص على ملوكيته.. وفرض عليه رؤساء وزارات يجدهم هزوا عرش العراق.
– كان يهتم فيصل بتعزيز ملوكيته.. ومقتنع إن هذا التعزيز لن يتم إلا بتقدم العراق.
– فكانت خطواته تقوم على مبدأ ( خذ وطالب)!!
ـ لم يكن فيصل الأول طائفياً.. وحاول تقريب الشيعة من السلطة الذين وجدهم مستبعدين عن إدارة الدولة.. ومهملين كمواطنين.
– لكن قوة المسؤولين وخاصة العسكريين العراقيين الذين تربوا في إسطنبول لم يفسحوا المجال.. خاصة عبد المحسن السعدون وياسين الهاشمي.. وحتى نوري السعيد فيما بعد.
ـ فهو أول ملك ومسؤول في العراق منذ التاريخ الإسلامي حتى ألان يعترف بان الحكم في العراق.. قائم على حكم السنة لغالبية شيعية!!
– لكنه لم يستطع تعديل المعادلة.. فقد مات قبل أن تطلق يده في إدارة الحكم بشكل كامل.
ـ كما يتوصل القارئ الى إن فيصل وضع الأسس المادية للأخذ بيد شيعة العراق للمساهمة في الحكم.
– والدخول في المدارس.. وفتح صف في المدرسة العسكرية (الكلية العسكرية) خاص بأبناء عشائر الفرات الأوسط والجنوب للدخول للكلية العسكرية من دون شرط الدراسة!!
ـ جعل يوم الغدير عطلة رسمية يحتفل بها!!
ـ كان مواطناً عراقيا.. أكثر منه حجازياً.
ـ كان نزيها حتى الثمالة.
ـ مات ولا يملك قرشاً واحداً.. بل مدينا للمستشفى التي كان يعالج فيها!
ـ أحب العراقيين.. عربا وأكراداً والأطياف الأخرى.
ـ كان يمارس حياته.. متذكراً انه من آل بيت رسول الله حقاً وحقيقة.. ولم يستغل هذه الصفة كما يستغلها بعض مسؤولينا اليوم.