ما أن تجتمع مع مجموعة من أصدقاء العمر أو يجمعك مع أحد المثقفين في جلسة أو مقهى أو حتى في مجلس عزاء حتى يتفرد واحد أو إثنين من المجموعة بالاسهاب في أحد مواضيع الساعة كأن يكون الموضوع سياسي أو اقتصادي أو فني ، حتى ينطلق أحدهم كالسيل الجارف في إستعراض مالديه أو ماسمعه من معلومات فيها الغث والسمين وينطلق من محور ما ثم يوسع جبهة المحاور من السياسة إلى الدين إلى الفن والاقتصاد ثم يعرج على الإعجاز العلمي في ترتيب نزول القرآن الكريم ثم يتحفك بإستنباطات ينسبها لنفسه وعبقريته وهي موجودة على صفحات غوغل حفظه الله ورعاه وبعضها قد أثبت ذوو الإختصاص بطلانها وأحلوا محلها رؤى أخرى أقرب للعلمية .
وينسى هذا الجهبذ أن لايمكن أن نحكم على القرآن من وجهة نظر علمية بحته حيث أن بعض القوانين والمكتشفات قد أثبت خطئها وحلت محلها نظريات أخرى ثم ينتقل العلامة إلى التنظير السياسي ويدافع ويقاتل عن رؤية كان قد اعتنقها قبل نصف قرن وبدأ يقاتل على إثبات صحتها قتال عنيف يكاد يرقى إلى قتال الصحابة للمارقين في معركة صفين في ليلة الهرير في حين أن الواقع أثبت بطلان وانتهاء كل النظريات الثورية القديمة ابتدأ من الرؤى الاسلاموية الى القومية إلى اليسارية إلخ من تلك الشعارات والمبادئ البراقه فلا الاسلامويون تمكنوا من تطبيق ما أراد الله للمجتمع والإنسانية ولا الثوار انصفوا الفقراء الذين ازدادوا فقرا وهضيمة وسحقا ولا القوميون وحدوا أبناء جلدتهم ولا مدعي الإشتراكيون انجزوا وعودهم الخلابة.
وحلت محل كل تلك الصراعات المجنونة نظريات أخرى أقرب إلى مااراد الخالق لمخلوقاته الا وهي الإنسانية الرحيمة وتكافؤ الفرص للجميع وعدم التفريق وحق الحياة والحرية والعمل والاعتقاد للجميع وعلى الله حسابهم وجزاؤهم نعود لصاحبنا دائرة المعارف البريطانية المتنقله الانسكلوبيديا فلا يسمح في سيول نقاشاته لأحد أن يلتقط أنفاسه وعندما يهم أحدهم بمشاركته يرفع يده محتجا مستخدم عبارة بلا مقطوع جوابك إلا بالخير ثم يواصل اندفاعه المروع ويرى الجمع انفسهم سقطوا في مجرى مائي جبلي سريع يقلبهم كيف يشاء ولا يستقروا ابدا وفي الحقيقة اني ارثي لأمثال صاحبنا المثقف والظاهر انه يعاني من كبت وضغط في بيته بحيث أن زوجته قد ثارت عليه ومنعته من التحدث في منزلها
فلا يكاد يرى فرصة للحديث حتى يفجر كل طاقاته وما أن تسنح لأحد الجالسين في حضرته فرصة للافلات من هذه المعصرة الفكرية حتى يقوم المثقف من جلسته دون أن يقطع حديثه ويحلف بأغلظ الإيمان ويستحلفه بالجلوس لأنه لم يروي شوقه لرؤية صاحبه فيقوم المسكين بأطلاق عبارة من هو في النزع الأخير صارخا متوسلا بأنه ذاهب إلى دورة المياه لافراغ مثانته التي شارفت على الانفجار حالفا بأنه سوف يعود سريعا وهكذا يتسرب الجمع واحدا تلو الآخر لواذا بحجة دورة المياه وفي النهاية يجد المثقف نفسه وحيدا مع عامل المقهى يقول له أستاذ سوف نغلق المحل لقد حل موعد أذان الفجر ويعود المثقف لمنزله مرددا مع نفسه ليش مثقفي كبل مثل مثقفي هسه وأخشى ما أخشاه أن تكون قد اصابتني عدوى هذا المرض الخطير والعياذ بالله وإلى الله ترجع الأمور.