ذات مرة، قال لي، دبلوماسي عربي في لندن، هل ما يحدث في العراق حقيقة أم خيال ؟، قلت له قبل أن اعرف مقصده: في العراق تتساوى الحقيقة مع الخيال.
قال: طبعاً، أليس هو بلد المبدعين، فلِمَ لا يصبح الخيال حقيقة؟
قلت له: صدقت رؤيتك، لكنك لا ترمي الى مسألة ابداع العقل العراقي، وانّما تريد التلميح الى موضوع آخر.
أجاب: أجل، ما نسمعه عن كمية الفساد بالمليارات من الدولارات ليس في خلال عامين أو ثلاثة، بل منذ عشرين عاماً، انما هي مسألة لا يحتملها التفكير العادي إذ كيف يمكن ان يكون هكذا فساد مالي في بلد ويبقى قائماً حتى الساعة.
قلت له: الانسان العراقي هو وحده الذي يحتمل كل صدمات الحروب والفساد وشظف العيش، ومن خلاله يستمر البلد واقفا على قدميه، وليس بفضل الطبقات السياسية التي جثمت على صدره سنوات طويلة.
قال، والثقةُ بادية في كلماته: أجل هو الانسان العراقي الذي ترى العرب فيه دائماً علامة من علامات عافية الامة.
اجبته: لكنك لم تقل سؤالك بعد؟
قال: اسمعُ انَّ لديكم لجاناً وهيئات نزاهة والدولة منشغلة بالتحقيقات في فساد الفاسدين، لكن الحصيلة تبدو محصورة في سرقة ملياري او ثلاثة مليارات دولار في آخر صرعات السرقة لديكم برغم جسامة المبلغ، من دون التفتيش عن المليارات التي اغتنى بها الفاسدون، ومنهم يتصدرون واجهات سياسية حتى اليوم، ولا أحد يستطيع النيل منهم.
قلت: ماذا تريد أن تقول تحديداً.
قال بسرعة: الفاسدون معلومون من عملية جمع الرواتب الشهرية لأي مسؤول، وماعدا ذلك فهي سرقات ما لم يثبت مصدر الأموال، إن كان قد ورثها أو جاءته من مصدر لا علاقة له بالسلطة التي يزاولها في منصبه.
قلت: انهم في بغداد، أعلنوا مراراً عن الإفصاح عن الذمم المالية للمسؤولين، ولا أحد يعلم مدى الالتزام بها أو التدقيق فيها وكيفية حسابها وصلتها بأموال الداخل أو الخارج؟
قال منهياً الحوار من جانبه: الحقيقة أوضح من الشمس، ولكن هناك لديكم مَن يلف ويدور كثيراً وهو يعلم كل شيء.
قلت له: أشد ما يؤلمني في حديثك هذا، هو انّك تتحدث عما يجري في بلدي العراق من فساد تعجّبت منه بلدان العالم ، وانني أجيبك في موقف لا أحسد عليه من الحرج لأنني عراقي في النهاية، وكنت أتمنى له كانت العلامات الفارقة في السنوات الأخيرة التي تشد العرب الينا هي الابداع العلمي والفكري والإنساني والنهضة الحضارية، وليس شيئاً آخر