كانت شجرة اللوز عالية وراسخة ومهيبة مثل حارس قوقازي نابت بباب قصر عظيم .
ثمة سعال جاف منبعه امرأة مسنة تسكن غرفة مغمورة في الجوار ، وكلب مبقع بالأبيض والأسود يكاد لهاثه السريع يصير مدخنة كوخ بارد . لم يبق من مطر الليل القوي سوى قطرات منتظمة ملظومة بسلك الكهرباء ومزدانة بزخيخ ضوء رحيم مشع من رأس قنديل معلق بين الشجرة والغرفة التي ما زالت تسعل كما لو أنها تنبيه عادل للص غبي محتمل .
الحق هو أنني لم أتيقن بعد من أن الشجرة الضخمة كانت حمالة لوز بالضرورة . قد يكون محمولها المدهش هو صنف من أصناف الكرز الأخضر الحامض ، لكن هذا الشك في جوهر المنظر سوف لن يبدل كثيراً في مسألة الضجيج الذي سيقع بعد قليل .
عشب كثيف يدور حول جذر الشجرة البائن كأنه زخة أطفال يتشبثون بعباءة أمٍ صبور تزرع فوق رأسها المشيّل سلة عرجاء مشغولة بفوائض خضار رخيص .
لديَّ الآن زوايا كثيرة للنظر لكن ليس بينها مقنصة شاب ملتح طويل يقمط جسده المهزول بجاكيت مرتق يهبط قليلاً تحت الركبتين . كائن مريب أراه من مرقبي الأمين وهو يذرع نصف الزقاق القريب من غرفة العجوز البخيلة البائسة . هذا المقطع الذي نزل عليَّ مثل ناقوط فخارية عتيقة ، لن يكون جزءاً من جسد القصة أبداً ، حتى لا أضع نفسي بشبهة التناص أو التلصص على حكاية قديمة كنت قرأتها قبل أربعين سنة ، وتالياً شاهدتها بلذة مضاعفة بعد أن تم تحويلها إلى شريط سهرة تلفزيونية باردة وجافة وليس فيها أي أثر لهيبة شجرة لوز .
سأحاول اللحظة الدخول إلى واحد من بيبان الخديعة الكتابية ، وأشغل ما تبقى من بياض الصفحة الثانية بلغة فائضة تتصل بعلم الحيوان ، كنت قد تعلمته في سنوات الدراسة الاعدادية الصعبة ، وسيكون من المفيد أن أحدثكم عن جينات مرتبكة قد تغطي وبر الكلب الشرس باللونين الأبيض والأسود وربما بصبغة وراثية ثالثة تجعل الشكل مضحكة مؤقتة