قامت فكرة مهرجان الربيع باقتراح من علاء الدين البكري “متصرف” لواء الموصل في العام 1969 من اجل الاحتفال بموسم الربيع الذي يجد له في الموصل ذات المناخ المعتدل مساحاته الخضراء وفضاءاته التي تتنفس فيها العوائل الموصلية الهواء الجميل بصحبة طقوس خروج الناس لضواحي المدينة وحول ضفاف نهرها الخالد، في مناطق الشلالات والغابات والتلال المحيطة.
وكان المهرجان يحتفي على نحو خاص بزهرة البيبون التي باتت شعاراً للمهرجان سنوات مديدة بمصاحبة معرض كبير للزهور والنباتات التي تشتهر بها مدينة أم الربيعين وتسهم في تنظيمه كلية الزراعة والغابات. فضلاً عن اظهار فعاليات الفروسية وركوب الخيل للهواة والفرق الشبابية بمشاركة نسوية دائماً، وكانوا يتبارون في ميادين مفتوحة بحضور البعثات الدبلوماسية والوفود الإعلامية العربية التي تأتي من داخل البلد وخارجه بعد تلقيها دعوات استضافة خاصة. وكان المهرجان يقام في الخامس عشر من نيسان ولمدة ثلاثة أيام، وهو الوقت المثالي لذروة الربيع في الموصل، وتختم كل ليلة من لياليه بحفلة فني غنائي لكبار النجوم العرب منهم وردة ونجاة الصغيرة وصباح ووديع الصافي ومحمد رشدي وشريفة فاضل.
وفي كل الأحوال، كان مهرجاناً للربيع وليس مهرجان السياسيين في الربيع، حتى اندلعت الحرب العراقية الإيرانية وتغير المزاج العام وأصبحت كلمة افتتاح المهرجان لنائب صدام حسين فرضاً ثقيلاً، لكن الصحفيين الأجانب الذين كانوا معي في احدى دورات المهرجان في الثمانينات من القرن الماضي قالوا؛ نحن ننتظر كلمة الافتتاح لأننا نريد الاطلاع على مواقف سياسية وعسكرية يكون المتحدث مضطرا للبوح بها عن حرب مشتعلة ما كان لأحد أن يخمن أو أن يصدق أنها ستنتهي ذات يوم.
مهرجان الربيع كانت مناسبة للاحتفاء الشعبي بروح الحياة الرائعة التي تشرق في نفوس الموصليين في تلك الأيام، وهم يشهدون وفوداً عراقية وأجنبية تجوب في شوارعها وساحاتها وبراريها. انه ليس مهرجاناً خطابياً وفرصة لمَن لم يستطع أن يوصل صوته في رحاب الموصل أمداً طويلاً أن يطلق لسانه، بكلام انشائي عام، تتخلله الدعوات والأمنيات والوعود و” التمذرع” التي لم يعد يكترث بها أحد، لأنّ الجميع يعلم، كم من المسافات في عالم الاعمار وإعادة الكرامة والسيادة والنزاهة والنهضة والعيش الكريم، يركض هؤلاء المتحدثون، في مهرجانهم ..الخطابي السياسي.
كأنَّ الموصل التي عرفت بحسن التنظيم والاعداد ودقة الاتقان تتهجى بصعوبة حروف إقامة فعالية اقترنت باسمها عقوداً