لا أقول صدمني ، بل لعله أثار هواجسي. فقد تناقلت الوكالات خبر نجاح روبوت الذكاء الاصطناعي (جي بي تي فور) في اجتياز اختبارات الحصول على رخصة مزاولة مهنة الطب في اليابان، ما يعني ان ارواحنا تحولت من مبضع طبيب جراح بشري الى مبضع آلي يتحرك في اخطر الأجزاء في اجسامنا، عند الحاجة. وذلك فان قسم ابيقور واخلاقيات الطب صارت في خبر كان ، وان أي حديث عن مهنة الطب الإنسانية ما عاد قابلاً للتسويق الدعائي ، وسط احتمالات اقتحام مزيد من الروبوتات ميادين وقطاعات أخرى بينها الاعلام. وقد حدث ذلك بالفعل بقيام احدى الفضائيات الخليجية باعتماد المذيعة (فضة) الروبوتية في تقديم نشرات الاخبار وبعض البرامج التلفزيونية.

ولا اعرف ان كان زملائي في كليات الاعلام قد مهدوا في محاضراتهم لهذا التحدي التكنولوجي الذي سيواجه خريجي أقسام الصحافة والإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة في اقرب الآجال، لكني كنت قد خصصت واحدة من محاضرات طلبتي في مرحلة الدكتوراه قبل العام 2017 حيث تقاعدت لبلوغي السن القانونية، للحديث عن تحديالت الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، وتوقعنا يومها ان تتولى الروبوتات مهمات العمل الصحفي، بدلاً من الكتاب والصحفيين، باعداد المقالات وصياغة الاخبار والتقارير، امتثالاً لأوامر وايعازات يتزود بها تطبيق الذكاء الاصطناعي لهذا الغرض. وقد حدد بعض الخبراء مجالات دخول تطبيق الذكاء الاصطناعي، خدمة المهنة الصحفية، بكتابة الاخبار بشكل آلي وتدقيقها ومعرفة أبرز الاحداث الجارية، وتدوين المقابلات الصحفية وتسجيلها والابلاغ عن المعلومات الخاطئة والاخبار المزيفة او الكاذبة، فضلاً عن تنمية العمل الإعلامي برمته إزاء جمع المعلومات ومعالجتها وإعادة انتاجها وتقديم بعض الاقتراحات بشأنها ، أي تقويمها وبيان جودتها، بدلاً من الوظيفة التي يضطلع بها رؤساء الأقسام وغرف الاخبار، ناهيك عن عملية انشاء الصور بمساعدة التقارير التاريخية لظاهر الأشخاص والرسوم الباقية المتعلقة بحياتهم في بعض الحالات والصور الافتراضية المرسومة في اذهان الأوساط المجتمعية.

وربما تعذر على أحد قبل عقدين من الزمان تصور قيام الانسان الآلي بوظائف ومهمات خارج اطار الصورة النمطية التي عرفناه بها، وتتلخص بنقل رزمة من هذا الركن في القاعة الى ركن آخر ، أو تقديم وجبة إفطار الى زبون في مطعم ياباني، لكن الثورة الصناعية الخامسة التي جعلت العالم يبدو أصغر من قرية ، رسمت امامنا طريقاً لرؤية آفاق أبعد وأخطر لوظائف الروبوتات ومن بينها استخدامها في القتال الميداني وقيادة بعض أنواع الأسلحة المتطورة وغزو الفضاء.

صياغة المحتوى

وهذا الزحف الروبوتي على لقمة عيشنا أو مجالات مهننا، يجعلنا في مرمى تحديات غير مسبوقة. فاذا كنا، نحن معشر الصحفيين (العتك) قد واجهنا انواعاً سهلة، نوعاً ما، من التحديات ، أبرزها القدرة على صياغة المحتوى الجيد واعتماد القوالب الفنية التقليدية، فان صحفيي الجيل الحالي والاجيال اللاحقة ستواجهون معضلات تقنية تحتاج الى مهارات نوعية ، فضلاً عن اجادة اللغة الإنكليزية او اية لغة حية قادرة على تقريب المسافات ووضع المعلومات في متناول اليد.

ولا أملك الآن سوى تحذير طلبة اقسام الاعلام من مفاجآت المستقبل، في ظل تنامي دور الروبوتات وقفزات الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد بالإمكان الحصول على وظيفة في سوق العمل بالنسبة لشخص متواضع الامكانية أو فاقد المهارات. وأدعوهم الى ممارسة المهنة الإعلامية واتقان تطبيقاتها وملاحقة كل فتح جديد في الثورة الرقمية. فالروبوتات منافس خطير، والتفوق عليه لا يتم بالحصول على شهادة جامعية، تكتفي بالتلقين والدراسة النظرية. وثقتي عالية باعلاميي المستقبل، ان يدركوا خطر هذه التحديات بامتلاك القدرة على انتزاع وظائفهم من (عيون) الروبوتات ورغماً عن انوفها.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *