ان ما نعيشه، نحن العرب، من حيرة وتعجب وتخبط يجب أن نفهمه في أسبابه وحيثياته كي لا نبقى في حال التيه والفوضى واللا أبالية، أو عدم الشعور بمسؤولية ما نعيشه من ظروف ومعطيات وبالتالي ندفع ثمن الغفلة والتخلف.
لماذا نعيش في حيرة؟
عندما يعيش الإنسان حال عدم درايته بمعنى حياته وأهدافها التي يحلم بتحقيقها، ولا يعرف احداثيات موقع وقوفه، ولا اتجاه سيره، ناهيك عن عدم ايمانه الصادق والواعي بقضاء الله وقدره، فإنه يعيش بالتأكيد حالة حيرة مؤذية.
وماذا عن العجب؟
لقد قيل منذ بعيد الزمن: إذا عرف السبب بطل العجب! هذه المقولة وقفنا على صحتها في حياتنا الشخصية والعملية.فما أن عرفنا سبب مرضنا، مثلاً، وتأثيرات علاجاته، حتى ذهب عنا العجب، وفي ذلك أمثلة كثيرة وفي جميع مجالات الحياة.
أما أن نعيش حياة تخبط في مواقفنا وتصرفاتنا فهي مسألة تحصيل حاصل لحيرتنا وتعجبنا.
تعالوا نبحث ونتحوار سوية في أسباب “الورطة” التي نعيشها وسبل تجاوزها:
يبدأ الإنسان رضيعاً وينمو طفلاً حتى يبلغ في روحه وعقله وجسده، ومعه تتبلور افكاره وتتعزز قدراته وتتحدد رؤيته للحياة التي يعيشها. وهذا، بالتحديد، ما يميز الإنسان عن الحيوان الذي لا يفقه للحياة من معنى سوى سعيه لاشباع غرائزه في الأكل والشرب والجنس. هذه الميزة، وبالتحديد، هي ما تسبب له الحيرة عندما لا يجد أجوبة على أسئلة، مثل: لماذا أعيش، ومتى أموت، وهل لي من هدف أو أهداف محددة؟ ولماذا لا أملك من قوة كما يمتلكها آخرون؟ ولماذا لا أستطيع تحقيق ما أحلم به وأريده؟
لماذا يتوجب علي أن أتعجب في غياب معرفتي وجهلي بأسباب ما أتعجب منه؟
ان تخبطي اذن هو حالة حتمية!
حيرة العرب:
ان يجد العرب أنفسهم في حيرة، ليس بالأمر الصعب على الفهم في أسبابه. انهم أمة يتلبسهم الضعف بسبب خلافاتهم وتناحراتهم وعدم استعدادهم للعمل والتعاون، وبالتالي شعورهم بالذل وهوانهم على الآخرين. انهم أمة ليس لها دور ولا يدرون الى أين يجب أن يسيرون. انهم يعيشون الحيرة بين ما كانوا قد أدوه من دور وما بنوه من حضارة، وبين ما هم عليه من سفه وجهل وتخلف.
وكونهم يعجبون مما هم عليه هو عجب بحد ذاته! فلينظروا الى انفسهم في كسلهم وعدم تعاونهم، ولينظروا الى شحة ما يضيفوه من علوم وفنون، ولينصفوا في حكمهم على الضعفاء فيهم. انظروا كم تتفاوت ثرواتنا، وكم هي قسوتنا على بعضنا، وهزالة نخوتنا مع من يستصرخنا من أهلنا، وتسارعنا الى العمالة والخيانة. لقد أضحت معارضاتنا تمردات دون هدف أو جدوى، لا تقابلها سوى سلطات لم تجد في غير القمع والارهاب والتشبث بكراسيها سبيلاً لبقائها وحياتها. لقد داخ فينا العقل، وقسا القلب، وتراخت أذرعنا وهبطت هممنا، فأمسينا جثثاً تتناهشنا الذئاب وتلعب فينا الثعالب وتطاردنا الكلاب السائبة! وهل بعد كل ما ذكرت قد أصبحنا على بينة من أمر حيرتنا وعجبنا وتخبطنا؟