شاهدنا يوم أمس حديثا للنائب حسين مؤنس عبر قناة الاتجاه تناول فيه موضوع الموازنة الاتحادية، باعتباره عضواً في اللجنة المالية، التي هي اللجنة المعنية باعداد ومناقشة نسخة الموازنة الاتحادية التي أرسلتها الحكومة للبرلمان متاخرة عدة أشهر.

وبحسب تصريح النائب توجد نسختان للموازنة؛ واحدة فوق الطاولة يتم مناقشتها يومياً دون جدوى، وهناك نسخة اخرى ستظهر لاحقاً من تحت الطاولة، هي التي سيتم تمريرها، تنطوي على تفاهمات تكون ضامنة لمصالح الكتل الكبيرة المتنفذة.

واللافت للانتباه أن الأوساط النخبوية المعنية بشؤون المال والاقتصاد وجدت نفسها هي الاخرى في دوامة نسخ ورقية والكترونية متعددة للمناقشة وابداء الرأي، حتى كاد يكون من الصعب معرفة (النسخة الأصلية)، فضلاً عن عدم وجود الجداول التفصيلية للصرف والانفاق.

وعلى الرغم من تأخير الحكومة في إرسال الموازنة، يبدو أن البرلمان هو الاخر يماطل ويراوح منذ اكثر من شهر في مناقشتها، رافق هذا التأخير الغياب المتعمد لرئيس البرلمان نحو اسبوعين وسط مختلف اشكال التصعيد الإعلامي والشروط والاشتراطات، التي من الواضح أن الغرض منها فتح باب المساومات السياسية لتحقيق مصالح معينة.

واخر ما سمعناه من داخل اللجنة المالية انها قسمت نفسها الى مجموعة لجان عمل، تتولى كل مجموعة ملفات معينة، لكن اتضح ان تقسيم اللجنة المالية نفسها الى عدة لجان مجرد (حيلة)، الغرض منها فرز نواب الكتل الناشئة والمستقلين ليجلسوا على المدرجات لمشاهدة (نواب الاقتصاديات الحزبية) الذين تولوا لوحدهم مسؤولية مناقشة ملفات الصرف الكبرى.

وتكاد تكون العملية السياسية في العراق معتادة على هذا النمط المخادع الذي أشار له النائب حسين مؤنس، حين وصف ما يجري بخصوص الموازنة بأنه تطبيق للمثل الشعبي العراقي الدارج (اراويك الموت حتى ترضه بالسخونة).

وإلا ما هو الداعي لكل هذا التسويف والمماطلة في موضوع الموازنة التي هي بالأصل مرفوعة عن حكومة شكلها (ائتلاف إدارة الدولة)، الذي هو الائتلاف صاحب الاغلبية داخل البرلمان، والذي يمتلك لوحده القدرة على تمرير الموازنة أو رفضها خلال يوم وليلة، كما حصل مع (قانون الانتخابات)، في ظل التفاهمات التي سبق ان توصل اليها اقطاب هذا الائتلاف حين تشكيل الحكومة.

وبالتالي يكون من الواضح وجود نسختان:
الأولى : نسخة (الموت)، والتي هي فوق الطاولة، تجري مناقشتها منذ أيام لاستهلاك الجهد والوقت وإرهاق الرأي العام.
الثانية : نسخة (السخونة)، والتي هي تحت الطاولة، سيتم تمريرها بما يضمن مصالح الكتل المتنفذة وأصحاب المصالح الكبرى.

وعليه .. كل ما نسمعه هنا وهناك عن التنمية والبناء والاعمار والتطور الذي سينتج عن الموازنة بعد اقرارها.. الخ، هو مجرد كلام في كلام للتبويق الإعلامي، مثل أي مادة اعلانية مدفوعة الثمن،

وتبقى الحقيقة واحدة، هي أن هناك أموالاً متكدسة في حسابات الدولة، يراد الاستحواذ عليه من خلال قسمة شرعية يتوافق عليها الكبار تنتقل بموجبها هذه الأموال من حسابات الدولة الى حساباتهم الحزبية، وهذه الحالة المعتمدة منذ 20 سنة يراد لها ان تستمر أيضاً لثلاثة سنوات قادمة، وعلى المتضرر عدم اللجوء الى القضاء لان لا فائدة من ذلك.

والسلام

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *