الوطن: مطلع الخير ومنبع الوجدان، ومصب العاطفة، والطاقة الإيجابية الجاذبة، وهو الجاذبية التي تفوق في قوتها الجاذبية الأرضية، وهو الحب الأكبر الذي يجري في الأرواح مجرى الدم في الشرايين، به نكون، وبرذاذ حبه ننتعش، ونحس بأنه القيمة العليا المتصلة بالجمال وقيمه السامية، نراه في الغيم والمطر والعشب، وفي الشروق والغروب وفي الشمس والقمر، ونسمعه في الهديل والزقزقة والهدير والحفيف، ونشمه في الياسمين والداوودي والبنفسج والليمون والطلع، وهو الذخيرة الروحية التي نمتلكها وتمتلكنا، الإنتماء إليه شرف، وحبه شرف، والعمل لصالحه في كل الأحوال شرف ما بعد شرف، نشمُّ عراره بابتهاج، وتجتمع القلوب على حبه، وتُجمع على التضحية من أجله، وهو النسيم العليل الذي يهب على الغصن الجميل، وهو أقوى من الطغاة والجبابرة والجلادين، و(ما فارق ذوو الأحلام وأولو الأرحام مواطن استقرارهم وأماكن قرارهم، إلا برغمهم واضطرارهم)، كما قال لسان الدين بن الخطيب، وقال الأصمعي: (سمعت أعرابيا يقول: إذا أردت أن تعرف الرجل، فانظر كيف شوقه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه).
وأنا لست مع ذلك الأعربي الذي ذكره أبو حيان التوحيدي في (البصائر والذخائر)، والذي قال: (إن الوطن ليس بأبٍ والدٍ ولا أمٍّ مرضعٍ، فأي بلد طاب فيه عيشك، وحَسُنت فيه حالك، وكثر دينارك ودرهمك، فهو وطنك وأبوك وأمك ورحلك)، وأقول: إن الوطن هو الأب الوالد والأم المرضع والرحل، وهو الحال والمال والمآل، مهما تقلبت الأحوال وتعثَّرت الخطى والتفَّت المصاعب، فما أحرانا أن نكون مخلصين للوطن وأهله، حريصين عليه أرضا وماءً وسماءً، متفانين في العمل من أجل عزته ورفعته.
عاش وطننا الحبيب، وأيَّده الله بعزم لا يلين، وأعزَّ وعزَّز نصره المبين، ودفع عنه كل شر وكل مكروه، وآخر القول: الله الله في الوطن.