ما أعلنته واشنطن أمس عن سيطرتها في عملية معقدة نادرة على برمجية متقدمة للاستخبارات الروسية جرى استخدامها في التجسس على خمسين دولة بما فيها دولة عضو في حلف الأطلسي، يعطي صورة صغيرة عن حجم الحرب السيبرانية الهائلة التي يشنها العمالقة فيما بينهم، وبالاشتراك مع شركات كبيرة مرتبطة بدول واقتصادات عظيمة.
أهم ما في الخبر هو انّ روسيا زرعت مادتها التجسسية في كومبيوترات دولية مستهدفة قبل عشرين عاماً، وكانت تمثل في حينها أعلى ما توصّل له العقل الروسي في التجسس الالكتروني، فما هو حال التجسس وامكاناته اليوم؟ كما انّ الأجهزة الامريكية استغرقت عاماً كاملاً لتفك شيفرات البرنامج الروسي وتدمره، من دون أن يعلم أحد عن المدة التي ستستغرقها أية عملية استخبارية أمريكية
جديدة لاكتشاف برامجيات تجسسية زرعها الروس قبل خمسة عشر عاماً أو سبعة أعوام أو منذ عام، بعد أن قامت الحرب في أوكرانيا. ويفترض المنطق أنّ يُقال إنها حتماً أكثر تطوراً ودقة وتأثيراً من أدوات عمرها عقدان.
الاعتماد على العنصر البشري في التجسس العالمي بين الكبار لا يزال موجوداً، لكنّه نفسه خاضع لعمليات اختراق من البرامجيات المعقدة التي تستهدفه. غير أنّ الدول في العالم الثالث، ومنها العراق، يلعب العنصر البشري دوراً حاسماً في اعتماد أجهزة استخبارات دول الجوار بالذات وسواها من الدول على مستويات مختلفة، عالية في المناصب الحكومية ومتوسطة وصغيرة، ومن خارج المنظومات الحكومية أيضاً. لاسيما انّ العمالة للأجنبي تدخل جزءاً من عمليات الفساد التي تتيح لمسؤولين التمتع بنهب أموال العراقيين وترك مجالات أماناتهم الوظيفية مشرعة للاختراق بعلمهم ومساعدتهم او بجهلهم وتبعيتهم، بعد أن جرى تهميش الشعور بالمسؤولية الوطنية لصالح الانقسامات المذهبية والعرقية.
لا يزال العميل البشري، وليس الآلي، هو عنصر ارتكاز الاستخبارات العالمية والإقليمية في التجسس على وضع العراق من جميع النواحي، والمسألة ليست جديدة، وإنّما الأبواب فُتحت على مصاريعها منذ اليوم الأول لاحتلال العراق العام 2003 وما تبعه من احتلالات واستيطانات جزئية وصفقات فساد في ظاهرها المال وفي باطنها سلب العراق ارادته وثرواته ومراكز قوته، وحتى اليوم.
وفي كل الأحوال لا يمكن وصف الجاسوس العادي بالإنسان أو بالجاسوس البشري، لأنه حين يبيع وطنه لن يعود يحمل صفة بشرية، فهو جاسوس فقط ولكنه غير بشري