في جادة الشانزيلزيه الأشهر في باريس وعموم فرنسا، جرى وضع شاشة كبيرة، سيتم من خلالها إقامة مسابقة فريدة من نوعها في املاء اللغة الفرنسية، ويحق المشاركة فيها لمَن تجاوز العاشرة من عمره.
لو جرى وضع شاشة مماثلة في ساحة التحرير او ساحة الاحتفالات الكبرى ببغداد، مع الإعلان عن الاختبار في الاملاء باللغة العربية، لكن ليس للصغار والطلبة، بل للوزراء وأعضاء مجلس النواب والسياسيين المتصدرين، ومن بعدهم الطبقات الأقل في المناصب، وصولاً الى جميع المتعاطين بالشأن السياسي أو الاجتماعي أو الإعلامي أو الاقتصادي العام في البلد. فماذا ستكون النتيجة؟
في اطلاع بسيط على ما مكتوب في مطالعات مسؤولين في السنوات الأخيرة، نجد العجائب، ليس من حيث الاملاء، وانّما اللغة وتعابيرها الصحيحة على نحو عام.
لا نريد من المسؤولين أن يكونوا لغويين ونحويين، وانّما نريدهم أن يعبروا عن اللغة التي اكتسبوا من خلالها شهاداتهم الدراسية الجامعية أو العليا، اذا كانت صحيحة.
سمعتُ قبل أيام ،عن شروط حكومية مطلوب توافرها لمَن يترشح لمنصب مدير عام ووكيل وزير وسوى ذلك، وهي شروط سبق أن سمعنا عنها كثيراً في الدورات السابقة من دون ان يتحقق شيء، فالأحزاب لا تزال تتمسك بشخوصها في المناصب العامة ولا تعطي الجيل الجديد فرصا كافية، فمن أين يأتي التغيير، والمفتاح بيد الأحزاب؟ ومع ذلك كنت أتمنى ان يكون هناك فقرة تخص سلامة اللغة العربية للذي يعتلي المنصب، حتى لو كانت فقرة شكلية كمثيلاتها.
إننا لا نزال نتكلم عن اللغة العربية، وليس لغة أخرى عالمية يحتاجها المسؤولون للتفاهمات الدولية.
لقد كشفت تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي عن ابتعاد معظم العراقيين عن لغتهم العربية، وأصبحت اللغة الدارجة هي البديل في الكتابة والمراسلات، ويبدو انّ هذا التدهور هو انسياق وراء تدهور أكثر شمولية ورسوخاً في القيم العامة المستحدثة والدخيلة.
هناك يوم للغة العربية لا يعرفه حتى الوزراء المعنيون لولا تذكيرهم آخر ساعة. اللغة هوية البشر وهوية البلدان، ونحن لا نزال نتعامل معها كونها أمراً ثانوياً لا يستحق التذكّر. وهنا أحيل الى شرط اللغة السليمة الذي لا ندري كيف يجري التعامل معه عند منح عضوية نقابة الصحفيين أو الاتحاد العام للأدباء والكتاب؟ لا يستغرب أحد من هذا التساؤل، إذ مرّت أمامي في خلال العقدين الأخيرين من سياق عملي الصحفي كتابات، كان من الصعب عليّ معرفة اللغة التي كتبت بها، لولا اسم الكاتب الذي يحيل الى كونه عراقياً ويكتب بالعربية