الكاتب د. عبد الحميد ديوان
جلس في مكتبه يفكر بهدوء للمرة الأولى بعد أن مضت فترة كادت أن تكون طويلة – ما الذي أصابه ! – كيف جرت به حياته في هذا التيار العنيف ؟ — كيف امتد به بحر الهوى ؟ — كيف لم يشعر به وهو يتسلل إلى قلبه كلص ظريف راح يسرق منه راحته ؟ — كيف حصل ذلك ولم يشعر به وهو الحذر الذي لا يستطيع أحد أن يحرك قلبه ؟ ! – بل كيف جر منه ذلك البحر الرهيب واحتل مساحة القلب منه ولم يقاوم ؟ !—
لشد ما يرثي في نفسه تلك القوة التي كان يصف نفسه بها .. ويسأل نفسه مرة أخرى – كيف استطاعت تلك الانثى أن تبعثر نفسه أشلاء ممزقة تتهافت عند قدميها ؟!— كيف سمح لنفسه أن يتسول الحب منها بعد أن كان يرفض أعز من ذلك الوضع في إباء ؟ — إنها فاجعة أليمة تلك التي حلت في قلبه – أين أيام المسرح والسعادة التي كان يقضيها بعيداً عن تلك السخافات التي يخوض غمارها الآن …. لقد كان في الأيام البعيدة عن هذا اليوم حراً من كل قيد …. كان يتمتع بأيامه دون أن تعيره أحد .. كان الشاب الوحيد في الحي الذي لا تستطيع أي انثى مهما بلغت من الجمال والسحر أن تثير اهتمامه . لم يكن للحب مكان في صفحة قلبه قبل أن تأتي هذه الجنية الساحرة .. كان الشباب يسمونه ( صاحب القلب الحديدي المغلق ) يا للكارثة التي حلت به ! .. أيها الشقي ماذا فعلت ؟ .. إنها الأيام السود التي ستحل بك بقدوم هذه الفاتنة التي غيرت سير حياتك …
غداً سيسخر مني الأصدقاء , وتنطلق نكاتهم اللاذعة تطالني من كل جانب وسينسجون حولي صورة مضحكة .. غداً سأكون موضع تسلية لهم ؟ ..
وسأصبح بالنسبة لهم مثار سخرية وتهكم .
ماذا أفعل .. إن هذه الساحرة ملكت علي حياتي .. لقد أصبحت في قبضتها دمية تتلاعب بي .. إنها تحطم علي صخرة حبها .
ولكن .. لا .. سأقاوم .. لن أسمح لأصدقائي أن يسخروا مني ويجعلوني موضوع يومهم . سأجاهد حبها .. سأحاول التغلب عليه .. ولكن .. لا إنها بالنسبة لي كل شيء …
وتوقف فجأة .. إن كل ما كان يفكر به مجرد تخيلات كانت في ذهنه ..
لن يستطيع أحد من أصدقائه أن يسخر منه .. لن يستطيع أحد أن يعرف ما كان يفكر به .. حتى هي لن ترى منه ما يشكلها في أي شيء .. فهو لا يحبها .. وهي بالنسبة له ليست إلا فتاة أعجب بها .. فقط ..
وعادت تختلط الأمور في ذهنه .. عادت صورتها تطغى عليه من جديد ..
كيف لا يحبها ؟ ! .. يا رب لم هذا العذاب ؟!..
لعن الله الحب .. إنه المجرم الأكبر الذي وضعه في هذا الموقف الصعب ..
وظل يتأرجح في أفكاره بين مد وجزر .. تارة يعتبرها مجرد صورة عابرة في حياته ..
وفجأة .. وجدها أمامه تنتصب بقامتها المديدة وجسدها الذي يتموج أمامه في دلال قاتل .. وشعرها الليلي يزين متنها .. يا الله !..
إنها الجمال بعينه .. ونسي كل شيء .. نسي أنها منذ اللحظات كانت محور المعركة الداخلية التي كانت تطحن نفسه ..
واختلج قلبه بابتسامة عريضة قائلاً .. صباح الخير .