يحتاج العراق الى تأسيس المجلس الأعلى للثقافة والفنون يتولى رسم السياسات العامة التي تخص الثقافة العراقية التي لا تحظى برؤية استراتيجية حكومية عبر تقافز الجالسين على كرسي الثقافة وهم بالكاد يلامسون القشرة الخارجية لأوليات السياسات الثقافية الأساسية التي ينبغي ان يكون العراق أحد المنافسين القارين الإقليميين في استقطاب الكفاءات والمواهب وابتكار الأطر الكفيلة بانتشال الثقافة العراقية من عمل موظفين روتينيين طمسوا معالم صورة تاريخية التصقت ببهاء البلد عقوداً طويلة. بل ينبغي أن تكون الثقافة العراقية بألوانها وتصنيفاتها قطاعاً انتاجياً، ومورداً من موارد الدخل القومي لبلد عريق قامت فيه أولى حضارات هذا الكوكب.
المجلس المقترح قد يتمثل فيه اتحاد الادباء والكتّاب ونقابة الفنانين الى جانب شخصيات لها وزنها الثقافي المحلي والدولي، تعمل على ضمان حق المثقفين الضائع في الوجود الحقيقي والانتشار، ليس من باب نقابي، فذلك له مجالاته الأخرى، ولكن من حيث الحضور الفعلي في مدار الثقافة العربية الفاعلة في المستويات المحلية والعربية والدولية. فرق فنية خاصة أو شخصيات معدودة من لبنان أو مصر غير ممولة من الدولة تهز مسارح أو برامج استعراضية وثقافية عالمية، وتنقل اسم بلدها الى مجال واسع لمئات الملايين. والعراق يستعيد ستة الاف قطعة اثرية من المتحف البريطاني وكأنه ينقل صناديق بطاطا وطماطة سراً من علوة أبو جويسم الى علاوي الحلة
، من دون ان تكون هناك وقفة عظيمة مصحوبة بورشة عمل و مؤتمر حول آثار حضارة وادي الرافدين المتسربة في متاحف العالم، وعبر مد الصلات مع جميع الهيئات الثقافية والصحف والقنوات البريطانية والغربية لتغطية حدث من خلال اكثر من لغة، وتتجلى فيه القدرات العراقية الحقيقية في التعامل مع هذا الحدث الذي نحن نصنعه وليس ننتظر أحداً لكي يصنعه ويسوقه لنا، وندرك كم له تأثير في العقلية الغربية اذا احسنا مخاطبتها.
آثار العراق مُعارة مائة عام الى المتحف البريطاني من دون أن يعرف العراقيون وأصحاب الاختصاص في الجامعات، لماذا كانت الاعارة قبل قرن، وما الذي ساق الى اعادتها، وماذا عن ريع استخدامها وعرضها والإفادة منها في خلال قرن كامل، وهل عادت الينا الأبحاث التي قامت عليها مع صناديقها.
انّ هذه الرؤية في الوقوف المتأمل في تصريف شؤون الثقافة لا تحتاج وزيراً قادماً من جيوب محاصصة القوى والأحزاب والمليشيات اليوم او مستقبلاً، إذا أردنا ان نعطي العراق حق اسمه، ولا نجعل الاخرين يسخرون منا او ينظرون بعين الشفقة على تردي احوالنا، واذا طمحنا الى أن نزاحم الساحات الثقافية العالمية بما نمتلك من إمكانات لن ترى النور بعد مئات السنين اذا كانت الحكومات المتعاقبة لا تعرف ما أهمية الثقافة وما عناوينها الأساسية خارج مسمى الحقيبة المحددة بالمنصب، اضعف الحلقات المتغيرة.
المجلس الأعلى للثقافة والفنون، قد يكون بديلاً عن وجود وزارة الثقافة التي كانت طوال عقدين على الهامش