ليست الزعامة و الحكم من نفس واحدة وان اكملت الاخرى طريقها لمكانة الثانية،‮ ‬فالزعامة قد تصل للحكم بمفهومه السياسي‮ ‬و كذلك الحكم قد‮ ‬يصير زعامة،‮ ‬لكن الزعامة اصعب و مسؤولياتها التاريخية اخطر،‮ ‬والناس في‮ ‬الاغلب تميل للزعامة شخصا لما في‮ ‬الزعامة من رمزية مرتبطة بشخص و معه جماعة‮ ‬يدّعون و‮ ‬يبرهنون على حقهم و شرعية وجودهم و حق ووجود منقوصين او معدومين لمن‮ ‬يمثلونهم عرقا او دينا او مذهبا او فكرا‮.‬
قلت‮: ‬ان الزعامة قد تصل للحكم،‮ ‬و العكس‮ ‬يصح،‮ ‬وقد‮ ‬يجتمعان ايهما سبقت الاخرى،‮ ‬الزعامة قبل الحكم او الحكم قبل الزعامة،‮ ‬لكن الزعامة اسبق،‮ ‬فالزعيم مسموع الامر من مؤيديه،‮ ‬بعكس من‮ ‬يصل او‮ ‬يجري‮ ‬ايصاله للحكم،‮ ‬كما في‮ ‬الانتخابات النزيه التي‮ ‬يتقدم فيها‮ ‬غير المنتمي‮ ‬للون حزبي‮ ‬فيأخذ طريقا تشريعيااو تنفيذيا ليكمله لاحقا لمواقع ووسط احداث و بيئة‮ ‬يتمكن فيها من التصير زعيما،‮ ‬ومع ذلك تبقى الاصالة في‮ ‬الزعامة التي‮ ‬ولدت اولا اقوى و ابقى من زعامة تصنع بعد الحكم‮.‬
كل المجتمع الانساني‮ ‬كان فيه من الامثلة على ما تقدم من الزعامة و الحكم كثيرا من الاسماء و الشواهد،‮ ‬وفي‮ ‬بعض الخرائط السياسية و الاجتماعية لازالت ظروف الشرق،‮ ‬بل الادق المصالح الدولية الكبرى التي‮ ‬تصطنع الصراعات،‮ ‬لازالت تواجه من قبل الضحايا و من قبل الذين لا‮ ‬يريدون ان تتكرر عليهم مآسي‮ ‬السياسات المصلحية،‮ ‬لازالوا‮ ‬يتسلحون بالزعامة التي‮ ‬يثقون بها و بمنجزها الذي‮ ‬تحرك بهم نحو مناطق و ظروف آمنة،‮ ‬و‮ ‬يمكنونها من حكمهم‮.‬
مع كل الفروقات الثقافية و الظروف،‮ ‬الا ان الاسرة الانسانية الكبيرة وُلِدت من رحمها زعامات كانت تقودها لما‮ ‬يقربها من حقوق منعها او‮ ‬غمطها حكم ما‮.‬
مصطفى البارزاني‮ ‬كان واحدا من زعامات التاريخ القومي‮ ‬و الوطني،‮ ‬لم‮ ‬يقدم نفسه و لم‮ ‬يعمل لنفسه ليكون زعيما و لا ليكون حاكما،‮ ‬وهو و ان كان شغل منصب رئيس الحزب الديمقراطي‮ ‬الكردستاني‮ ‬حيث جرى اختياره من اعضاء المؤتمر الاول لحزبنا سنة‮ ‬1946‮ ‬ببغداد،‮ ‬وقد كان‮ ‬يومها لاجئا سياسيا في‮ ‬الاتحاد السوڤيتي،‮ ‬اختاره مندوبو المؤتمر لا ليكون منصبه مظلة لعمله،‮ ‬بل مظلته هو كانت اوسع ظلا للعمل السياسي‮ ‬و الاجتماعي‮ ‬اللازمين للتحرك نحو تصحيح مسار الوجود الكردي‮ ‬و الكردستاني‮.‬
زعامته القومية ليس بها شائبة تعصب او اقصاء،‮ ‬و مكانته الوطنية لا تشعر التنوع العراقي‮ ‬بالغربة او التخوف،‮ ‬حتى في‮ ‬معارك دفاعه التي‮ ‬قادها لم‮ ‬يكن فيها الا خصما شريفا‮ ‬يضع الامور في‮ ‬ميزان العفو و الصفح قبل البارود و الضغط‮.‬
رؤوساء كُثْر وصلوا للحكم و للزعامة،‮ ‬لكنهم ذهبوا بذهاب مشروعهم،‮ ‬و بعضهم ربما كان صادقا جادا لكن الظروف او المصالح اطاحت بهم و بمشروعهم،‮ ‬لكن زعامة البارزاني‮ ‬ظلت و لم تهتز،‮ ‬ليس فقط لحيوية في‮ ‬مشروعه تضمن الدوام،‮ ‬بل لان زعامته معدن اصيل مادة و فكرا و روحا،‮ ‬ولها جمهور‮ ‬يتناقلها حجة على الاخرين،‮ ‬بل صارت زعمته وحدة قياس في‮ ‬مفهوم ما‮ ‬يجب ان‮ ‬يكون عليه الحكم الذي‮ ‬يرضاه الانسان الكردي‮ ‬و الكردستاني‮ ‬بل و كثير آخرون من‮ ‬غير الكرد‮.‬
‮{ ‬مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي‮ ‬للحزب الديمقراطي‮ ‬الكردستاني‮.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *