حرمتني المشاغل، من حضور احتفال جائزة الأديب المحامي المعروف ناجي جواد الساعاتي، المكرسة لأدب الرحلات، لكن زميلنا الذي انتدبته (الزمان) لتغطية وقائع اطلاق نتائج الجائزة لهذا العام، تسلم بالنيابة عني درع التكريم الذي منح لي أسوة بعلمين آخرين.

ويحق لأسرة الساعاتي الكبير، ان تفخر بانجازات الوالد ، الذي دأب على ترسيخ مفهوم ادب الرحلات في الحياة الثقافية العراقية، من زاويتين الاولى شغفه بالسفر والتنقيب والمشاهدة الباذخة، حيث تتطلب الكتابة عيناً راصدة وميلاً واضحاً لفهم الظواهر والثقافات المختلفة، بوصفها علامات دالة على تقدم الشعوب أو تأخرها في معترك الحياة، والزاوية الثانية قدرته على صياغة محتوى ابداعي ينتمي الى هذا الجنس من الادب، الذي اقتحمته مآلات التطور أسوة بغيره من جوانب الحياة.

وكمن يشق طريقاً وسط الصخور، بذل الأستاذ ناجي جواد الساعاتي، مجهوداً مخلصاً يتضمن رؤياه ورواياته عن المدن والاصقاع التي زارها، فقد كان كريماً بما يدل على الرغبة في جعل الآخرين يشاطرونه المتعة والفائدة، وهو ينعم بمشاهداته وانطباعاته عن المدن والدول التي زارها. فاذا تصورنا ان المواصلات والاتصالات لم تكن بالتطور الهائل الذي شهدته، فيما بعد، واصبح استخدامها مشاعاً ومتداولاً بين الكبار والصغار والاغنياء ومتوسطي الحال، ادركنا أهمية ان يطلع القارئ على تجربة الرحلات أو السفر، بالنسبة لشخص من جلدتهم ، توفرت لديه الرغبة الجامحة والموارد اللازمة لتنفيذ برنامج التنقل والانتقال، عبر البحر والبر والجو، كما حفل به تاريخ ناجي جواد الساعاتي.

لايكفي ان اقول اني تعرفت على الراحل الكريم، صدفة ، بل اجزم انه خلق الصدفة بارادته، ليكون صديقاً لجيل من الصحفيين من رهطي، التقيناه وشيدنا علاقة طيبة معه ، ومن ثم مع نجليه الكريمين شوقي وسعد اللذين سارا على دربه، وصارا قامات اكاديمية عراقية سامقة.

لقد سعدت حقاً ، وأنا اقرأ كتيب الباحث رفعت مرهون الصفار اطال الله في عمره، الذي نال جائزة هذا العام ، واستعدت وانا أطالع الاضاءة التي تقدمت فصوله، فضائل الساعاتي الكبير وتقديره لجيل الشباب ورغبته في مساعدتهم ومد يد العون اليهم عند الحاجة. واستذكر انه تفضل عليّ يوم زرته في محله (الجديد) الذي انتقل اليه من شارع السعدون الى الشارع المؤدي الى القصر الأبيض ، مناشداً اياه الاتصال بالطبيب البارع، صديقه عبد الحميد البستاني الذي كان اختصاصياً في طب الاطفال ، لحجز دور لعرض ابنتي الصغرى على البستاني رحمه الله. كان الدور يتطلب الانتظار شهراً أو أسابيع، لكن الساعاتي بادر بالاتصال بصديقه، فوافق على استقبال ابنتي الرضيعة في الحال . وتكرر الأمر في حالة ثانية، فلم يجد الساعاتي حرجاً من تكرار التوسط . كانت يد هذا الطبيب الذي توفي عام 1991 واسس فرع طب الاطفال في كلية الطب بجامعة بغداد، بلسماً لطالما شفى جروح الاطفال واعاد الابتسامة الى وجوههم الغضة البريئة.

كما كان الساعاتي يحفظ الود لاصدقائه ويخاطبهم بمستوياتهم ومقاماتهم، وقد تلقينا منه خلال زيارته الى سويسرا وغيرها رسائل ورقية، بالبريد، تتضمن السؤال عن الاحوال وشرح مشاهداته المفعمة بالصدق والامنيات الطيبة، واتذكر ان احدى تلك الرسائل وصلت الى عنوان جريدة (القادسية) بعد اسبوع من عودة الساعاتي الى بغداد وزيارته الجريدة، وبذلك فرحنا به وانتقدنا ادارة البريد .. السلحفاتية.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *