يبدو انَّ خاصية القوة العضلية ستضاف مع الأيام الى مواصفات المرشحين لعضوية البرلمانات من الرجال والنساء اذا استمر اللجوء الى الاشتباكات بالأيدي والتقاذف بقناني الماء والاحذية أحيانا، لكي تحتمي كل كتلة بالأقوياء بدنياً او الشباب في السن، وهنا سيكون شرط العمر مُهماً أيضا في المواصفات المطلوبة.. والجميع يبدو انهم يعدون، بالتوافق، هذه الظاهرة من سمات العمل الديمقراطي. ولا يخلو برلمان في الشرق الأوسط من هذه الظاهرة، التي شاهدناها في العراق ببغداد واربيل، والأردن وتركيا ودول أواسط اسيا وسواها.
اللجوء لاستخدام القوة داخل جلسات البرلمان له غايات عدة، لكن ليس بينها حرية التعبير عن الرأي، أو الامل في تغيير نتيجة أي قرار لأنّ القرارات لا يمكن ان تخضع لقوة الضربة في الاشتباكات، وانما هناك نظام داخلي وقوانين، ومن ثم دستور بمثابة الفصل النهائي في الخلافات.
ومن غايات اللجوء الى السب والشتم والاشتباك بالأيدي والعراك، هو لفت الانتباه الى مشكلة حقيقية لم تخضع لحلول التفاهمات السياسية. ومن غايات العراك ايضاً، الانتقام الشخصي بقصد الإهانة، الذي يمارسه بعض النواب بدوافع الانفعال الآني أو المُبيّت مسبقاً أو المدفوع من القيادات السياسية في خلف المشهد. وهناك مَن يهدف الى خلط الأوراق عندما يكون ذا حجة ضعيفة في الرأي او في الامكانية العددية الداعمة له، فيعمد الى الفوضى لكي يتساوي جميع الأطراف ومن ثمّ يجري التعامل بالتساوي مع أخرى مع الجميع الضارب والمضروب .
وفي كل الأحوال، هي ظواهر سيئة وشاذة ومضحكة أحيانا، تعبر عن ضحالة المشهد السياسي، الذي لم يصل الى هذا الاسفاف في البرلمانات المحلية في الاربعينات أو الخمسينات من القرن الماضي بالرغم من انّ القضايا الساخنة كانت تشغل معظم الدورات البرلمانية في العهد الملكي في العراق على سبيل المثال.
هناك مَن يقول انَّ الضرب داخل البرلمانات بالأيدي والقنادر أفضل مليون مرة من خروج الاشتباكات الى الشارع وتهديد السلم الاجتماعي عبر استخدام السلاح الذي بات متاحا بيد الجميع. ويؤكد أصحاب هذا الرأي انّ تقنين القتال تحت قبة البرلمانات ضمانة لعدم تكرار مآسي الماضي، حين كان السياسيون يشعلون النار في الشارع عبر تصريحات وخطب نارية في القنوات التلفزيونية من دون أي مراعاة للتداعيات المحتملة في أوساط متشنجة