الوردة شيء غير مفيد اطلاقا ، لاتؤكل ولا تُشرب وليست عقاراً أو دواء أو كحولاً ، فمن أين تاتي الوردة بكل ذلك الوجود الباذخ والتأثير الفريد في حياتنا . ومامعنى أن نبذل الأموال من أجل شراء شيء تنتهي فاعليته بعد ساعات ، هذا إذا اعتبرنا تاثيرُه فاعلية ؟
أن الكثير من ألاشياء في حياتنا لاتمثل نفسها ، ولاتعني ذاتها وتركيبتها بل لا قيمة لذلك إزاء وظيفتها وما تمثله ، الوردة في عالمنا اصبحت أسطورة تختصر جميع اللغات . قوتُها من قوة المشاعر التي تقف خلفها . ممكن للوردة ان تعلن عن بداية قصة ستصبح خالدة فيما بعد ، وممكن للوردة أن تعيد علاقة عاطفية تحطمت ، أو توقِفُ حرباً أو توجز حكاية طويلة يصعبُ البوحُ بها ،وأهم من ذلك كله؛ ممكن ان تذيب الملل. فائدةُ الوردة اذاً من قوّتها في التأثير ، وقوّتُها من رمزية الطبيعة التي انتجتها والإجماع الكوني البشري على رمزيتها ، ومع أنّ الناس وضعوا لها عناوين ووظائف محددة حسب ألوانها ، الا أنّ ذلك لايحد من شمولية هذا المعنى .
ينصرف هذا الأمر دون تعقيد، الى تذوّق الفن والانشطة التعبيرية الاخرى والتفاعل معها ، فقد اعتدنا في تربيتنا العربية التركيز على الإنتاج وإهمال العناية بالتلقي ، فأصبح منتجو الأدب الرفيع، ومنتجو الفن الملتزم، هم أنفسهم المتلقين ، والناس العامة بعيدة عن طلاسم هذه الضروب والاتجاهات ، في وقت تُعدّ مناهجُ التربية الفنية وتدريب النشء على استيعاب الفنون والآداب والإنجازات الابداعية الاخرى أساسية في الدراسات الاولية أو الانشطة المعتادة خارج المنهج الدراسي في مجتمعات أخرى ،
ولذلك ليس مستغرباً ما نسمعه في محيطنا ونحن نشاهد ونسمع فنونا عدة من الرقص الى الرسم الى المسرح والموسيقى ، حيث يتساءل الكثير من الناس ، مامعنى هذا ؟ ومامعنى خطوط متشابكة أو الوان تنقش على قماش أبيض، أو موسيقى بلا كلام لاتقول شيئا صريحا ،؟ وأغلبُهم محق في ذلك !
مامعنى ذلك؟ مالذي تقوله اللوحات ، وجوه ممسوحة ، قبعات طائرة أشكال لاتعرفها هل هي مياه ام سماوات أم غيوم ؟ ، وخوارق فوق العادة ، كذلك أصوات منتظمة ومعزوفات وأشكال وألوان، كانّك في حلم أو عالم أطفال مطلق .
الأمر في حقيقته يتعلق بالغاية والقدرة على التجريد ، اذا كنت سطحيا بلا قاعدة معلومات عما تسمع او ترى، يصعب أن تتفهم الرموز ،واذا كنت مادياً مباشرا يصعب ان تقيّم دور وأهمية الورده أو اللوحة ، واذا كنت شخصا غائيّا، يتعامل مع الدنيا مشاكل وحلول وحاجات وغرائز مباشرة، لن تستمتع بتجريد الموسيقى ، ولن تشعر بمتعة حريتك في تاويل الإشارة وأنت تُنشيء عوالمك وأحلامك وانفعالاتك وسط أرض من الأ نشطة وسماء من المعاني . ولايمكن ان تدرك معنى ، أن تنحت الدم ،أو تصفَ القلق ،او ترسم الخوف، وتفرّق بين الجميل والجمال نفسه، خلافُ ذلك ستعرفُ الوردة جيدا ، أهميةَ الوردة ، وأسرار قوة الوردة التي تُطفيء الحرائق وتشعل العواطف ، وتترك أثرها الجميل في النفوس عبر العصور.