ما كنتُ أحملُ في كفّي ثُقْبَ باب
وأنا أعبرُ رأسي
من أوّل الفكرة إلى حدود ضياعها
كمن يطارده عويل الرّيح في أزقّة مدينة خائفة،
كمن يمشي وحيدا في حزنه
وكمن يركض هربا من رصاص توغّل في صدره…
فكيف عرفت المدينةُ أنّي رصيف غريب؛
رصيف رماني من على ظهره،
حين نبحت عليه كلاب المدينة فأفزعته
واضطرّت حانة رخيصة لا تسمح بدخول الأنبياء ولا الأرصفة
للاعتذار من خوفه،
متشرّدٌ كان قد أتى بي من مدينة لا تطلّ على البحر
ووعدني بفتيات جميلات سيتمشّين شبه عاريات فوق لهفتي
وحين سَكِرْ
صار زورقا ورقيّا ورحل مع المهاجرين؟!!
ما كنتُ أحمل في كفّي غيمة باكية
ولا مناديل ورقيّة
ولا كنتُ أُلوّح للقطارات
ولا كان على زندي وشم “محطّة”
فكيف عرف هذا الحزن مقاس وحدتي
ليبتكر لي فخاخا تصطاد قطعان خطواتي؟!!
كنت أرتدي حبيبتي حتّى لا أشعر بالبرد
-لن يفهمني إلّا من كدّسوهم، عراة، في أسواق الأبجديّة-
كنتُ أضع وجهها على ملامحي
حتّى لا تكتشف جمارك الفرح أنّي علبة حزن فاسد
فتمنعني من الدّخول إلى عيون حبيبتي العسليّة!
وكنتُ،
كما كان الجميعْ،
أحفظ النّشيد الوطني
وأغاني الأعراس
وكلّ الوصفات الشّعبيّة لزيادة الباه وإطالة زمن الجماع
فمن أخبر هذا الحزن
أنّ هذا العرج في قلبي.. قديم جدّا.. و ليس عَرَضِيًّا؟!!
كحصان قوقازيٍّ.. كنتُ أركُضْ!
فقد أخبرني نَصٌّ ثَمِلٌ لم أجرؤ، يوما، على كتابته لأنّي أخشى
غضب الله
وغضب المثقّفين
وغضب النّساء و الفقراء و..
غضب البوليس
أنّ الموتي العالقين في رأسي قد أجمعوا على قتلي!
كحصان قوقازيٍّ.. كنت أركضْ
وأراوغ الموتى
وأهرب من عيون حبيبتي
علّ الموت دسّ لي، فيهما، آلاف القنّاصين
وحين نجوتْ
كان كفّاي دون أصابع!
وانتبهت أنّ عشرة أصابع توغّلت،
كما الرّصاص
في صدري،
وأنّي
مع بقيّة الموتى العالقين في رأسي
ومع موتى جدد
نحتفل، سويّا، بنجاح خطّة قتلي
وبضياع الفكرة!!!