الكاتب محمد الكلابي

 

تخيّل إنّك تأخذ حمّاما بارداً منعشاً محاولاً إعادة لم شمل ذرّات عقلك الضعيف تحت تساقط قطرات الماء و هي تذمّك بعد سقوطها من جسدك لأنّها قد حملت معها بعضاً من آلامك، تخيّل إنّك تحت الماء، أنت قطرات الماء، البلاط، الجدران، النافذة الصغيرة، الحمامة الموسيقية الّتي تقطن جنب النافذة، الضوء الخافت السحري، الباب، المقبض، جل الإستحمام، تخيّل إنّك كلّ شيء لكنّك لا شيء، لست شيئاً منهم، لم يعترف بك حتّى الحمّام كأحد موجوداته.
تخرج لافّاً المنشفة حول جزء جسدك السفلي متوجّهاً لغرفتك وأنت تقطف نظافة الأرض بطهر الماء الّذي يتساقط من جسدك لأنّك تُفضّل أن يمتصه بالكامل لتروي عطشه و بينما تقترب من غرفتك تتخيّل إنّك المنشفة، قطرات الماء، البلاط، العطش، الطهر، تخيّل إنّك كلّ شيء لكنّك لا شيء، لم يعترف بك حتّى ممرك الخاص ضمن موجوداته.
تبدأ بإرتداء ملابسك المفضّلة المخصّصة لهذا اليوم محاولاً الإستعداد لموعدٍ مجهول مع سيّدة التفاصيل، تخيّل إنّك الحزام، البنطال، القميص، ابزيم القميص، وشاح العنق، الجوارب، الحذاء، خواتمك، هاتفك، محفظتك، تخيّل إنّك كلّ شيء لكنّك لا شيء، لم تعترف بك حتّى ملابسك الخاصة ضمن موجوداتها.
تتجه نحو المطعم، تجلس على الطاولة الفارغة في ركن بعيد عن ضوضاء الثرثرة لكلّ الأشخاص الموجودين وهم يتهامسون بينهم بإبتسامات محزنة معتقدين بأنّهم يتناولون الحبّ مع الشوكولاتة الساخنة و قطعة الكيك بالكريمة و الفراولة و ذرّات الفستق الّتي تغطي رأسها، يتناولون الوقت بلا حبّ أو أمان و أنت تجلس بإعتدال إحتراماً للكرسي الفارغ الّذي سيعانق جسدها و هي تجلس عليه، تخيّل إنّك درج المطعم، البساط، عيون الجالسين، إبتساماتهم المزيّفة، همساتهم، كوب الشوكولاتة، الصحن الّذي يقبّل قطعة الكيك، الكرسي الفارغ، الطاولة، وشاح الطاولة، الملاعق البلاستيكية الّتي أخذت موضع المعدنية وأخذت معها لذّة الموعد، تخيّل إنّك كلّ شيء لكنّك لا شيء، حتّى هذا المكان السعيد بزيفه لم يعترف بك ضمن موجوداته.
لا وجود لك في أي زمان أو مكان، أنت نقطة تلاشي المفاهيم العلمية و المنطقية، قيمة باهتة للرمز “صفر” بكلّ لغات الرياضيات الفيزيائية و الحيويّة، لكنّها تأتي، تأتي في مخيّلتك لتضع رمز المطلق الخاص حولك، لتُحيطك بهالة وجوديّة تجعل من جسدك حقيقة، حينها ستتجه نحو كرسيّها وأنت كرجل محترم تسحب لها الكرسي لتجلس..
تجلس قبالتك و أنت تبتسم يا مدلّل، جاءت مدلّلتك في مخيلتك الّتي وجدّت في وجودها إعترافاً بأحقيّتك للتواجد ضمن موجودات كلّ شيء حولك إلّا عيون الجميع و همساتهم قد تحوّلت، تشبّعت حبّا زائفاً فبدأت تنطق بالكراهية المطلقة لتُنهي لحظة إستمتاعك بجنونك المفضّل محاولاً كبح نظراتهم عنك و أنت تخرج من حوض الوحوش المستعمرة لجزيئاتك، تخيّلت إنّك قد أصبحت شيئاً لكنّك لا شيء، حتى جنونك قد حرمك من خلوتك و لم يعترف بك ضمن موجوداته يا زربائيل.

قبل infoaktub

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *