من المعلوم ان نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر 1948 على أن “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرِّيته في اعتناق الآراء دون أي تَدَخّل، وفي استقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها ونَقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”. (المادة 19) بالتالي، فإن حرية التعبير تعني قُدرة الفَرد أو المجموعة على التعبير عن مُعتقداتهم وأفكارهم ومشاعِرِهِم حول قضايا مُختلفة دون خوف من الرقابة. لكن ما هو نطاق الحقّ في حرية التعبير؟ وهل هو حق مُطلَق؟ من الواضح انه ليس كذلك. عند القاء نظرة شاملة على تاريخ حرية التعبير ، يتبين ان حرية التعبير في واقع الامر سلاح لاغنى عنه في مكافحة الاضطهاد . استغل تفوق البيض كلا من الرقابة والقمع الى حد كبير ، سواء فيما يتعلق بالعبودية الامريكية والعزل العنصري، او الاستعمار البريطاني ، او الفصل العنصري في جنوب افريقيا ، وعلى العكس من ذلك دافع دعاة المساواة الانسانية . مثل فريدريك دوغالس وإيدا ويلز ومهلتما غاندي ومارتن لوثر كينغ الابن ونيلسون مانديلا،عن مبدأ حرية التعبير وتطبيقاته الامر الذي كلفهم الكثير على الصعيد الشخصي.
مطالب مشروعة
من هنا نرى في كل دورة من دورات البرلمان العراقي تطرح قوانين مثيرة للجدل هدفها الهاء الناس عن مطالبهم المشروعة وخاصة منها ما يتعلق بحرية الراي عندما يحجرعلى الرأي يصبح الراي قضية عامة قد تهدد النظام السياسي، فيتحول الرأي من موضوع خاص الى قضية عامة تدفع بأن يطالب الناس بحرية: (الرأي والتعبير) فتضج مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات بحوارات وتهديد ووعيد من هذا الطرف او ذاك وكيل التهم المتبادلة .المادة: (38) من الدستور العراق تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب ولما كانت
أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل
ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر
ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون
فلماذا اذن تشريع هذا القانون المثير للجدل؟ اليس هو تناقض مع نص الدستور؟
لانه من الخطأ فرض القيود او منع حرية الرأي والتعبير، لأن ذلك يعني لإلغاء عقول الآخرين والذي سيجعل الرأي مرادفا للحس العام والفهم المشترك بين الناس، فالرأي حالة إنسانية طبيعية لا يحتاج احد لإذن مسبق لرؤيته (لما تراه عيناه) وإلا اصبح اعمى وهو بصير وبالمقابل يجب التخلص من الوصاية على رأي الآخرين.
ومن عقدة الظن والادعاء بكمال وصحة الرأي على اعتبارها حقائق مسلما بها بفعل العقيدة والايدولوجيا، فمن يدعي الدفاع عن حرية الرأي وفي الوقت ذاته يعمل على تبخيس الرأي المخالف (الآخر) هو منافق وكاذب، فالآراء ظاهرة شخصية حتى في إطارها العام لا يجوز منعها، والحكومات الضعيفة وحدها التي تمنع حرية التعبير عن الراي، فالواقع الذي نعيشه اليوم يتطلب من الإنسان أن يعيش وكأنه لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، وذلك بسبب الوضع في البلاد وحالات الصراع،وازدياد المشكلات والخلافات والفساد في كل مكان ولم يعد أحد يهتم بالإنسان نفسه وحقوقه!
تحوّلت أولويات صنّاع القرار إلى المال والجاه والمنصب، ووضعت الإنسانية على الجانب الذي لا ينظر أحد إليه بتاتاً. وتستخدم القوة من أجل منع أي شخص عن التعبير خصوصاً إذا كان رأيه معارضاً لسياسة الدولة أو بالأصح للحكومة واحزاب السلطة كما حصل من قمع وقتل ممنهج ابان حكومة عادل عبد المهدي عام 2019 للشباب المنتفض ، على الرغم من أن حرية الرأي إرث إنساني كلف الإنسان عدة قرون من الثبات والثورات من أجل التعبير وكان الهدف إصلاحيا، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، بل كانت هناك محاولات للسيطرة عليهم، وما زالت! فهكذا قرارات واجراءات ، تستخدم سياسة تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير، والمخيف هنا أن صنّاع القرار يعتقدون بأن هذا هو الطريق الأمثل لمنع تغييرهم وبقائهم على كرسي الحكم إلا أننا قد وصلنا إلى زمنٍ يُفترض بأنه وقت لحرية التعبير وطرح الآراء لبناء مجتمع إيجابي يسعى للتطور على جميع الأصعدة، وهذا ما مكّن الشعب من رفض فكرة قمع حرياته وتكميم أفواهه. فقد تُعد حرية التعبير هي الحق السياسي لإيصال ما يوّد الشخص قوله، إلا أن ذلك لم يعد حقاً، بل أصبح يشكل خطراً على حياة هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالتعبير عن آرائهم، في الوقت الذي ترفع فيه احزاب السلطة حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الانسان؟ فهل نتمكن في هذه المرحلة في بلادنا ان نفهم هل حرية الراي حق من حقوق الانسان، ام جريمة يعاقب عليها المواطن؟ . لم تزل حرية التعبير عمود الحرية واصل الديمقراطية والمساواة والاستقلالية .وان العالم دون حرية التعبير سيكون اقل تسامحا وديمقراطية وتنورا وابتكارا وحرية..