وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
المتتبع لحركة تاريخ البشرية يجد الغث السائد والسمين المتضائل ، لكن البقاء للمتضائل والزوال للغالب الزبد وإن ساد وحكم وتحكم ، المبدأ والشعبوية صنوان لا يجتمعان ، المبدأ حاكم وإن ركن للسكينة والهدوء ، والشعوبية غث مُضلل جاذب راحل وإن ساد ، فقانون الطبيعة البقاء للاصلح ، وعلى ضلالة من ظن أن الشعبوية صفة لصيقة بالساسة والساعين لاعتلاء السدة ، فالشعبوية مفردة وحقيقة راح تلتصق بكل ساعٍ الى اعتلاء بغير حق ، فكاتب شعبوي ، وصانع شعبوي ، وتاجر شعبوي ، وناقل شعبوي ، وسياسي شعبوي ، ورجل دين شعبوي . كثيرون من يعتلون المنبر ، واكثر منهم من يفتي ويقرر ويدعي تمثيل الطائفة ونقل تعاليم الدين والذود عن المبادئ والثوابت والرسالة والكتاب ، لكن القليل من يحمل المبدأ وينوء بالامانة ويحمي الرسالة ويمثل الوجه الناصع للدين ، فالمتصدي إما جاذب أو باعد ، وإذا كانت النية قانون حاكم لبقاء الاصلح ، والخط الفاصل بين الغث والسمين ، والمبدأ والشعبوي ، فإن صدقها شرط لحمل الرسالة وتمثيل الطائفة واعلاء الكلمة ونفاذ التوصية وطاعة التوجيه . لقد تتابع على سدة مرجعية النجف مراجع عظام ، نقلوا الرسالة ، وحملوا الامانة ، وحافظوا على الموروث ، وأضافوا للقائم ، فميزوا المذهب بالحركية والتجديد والمواكبة ، فسايروا بفتواهم مستجدات العصر ، ويقيناً أن التصدي للانحراف ومقارعة الظالم ومباطحة المستبد ، هي ما ميزت مرجعية النجف الحاكمة ، وبالقطع لم يكن انحراف موميكا ، الاول ولن يكون الاخير ، فتاريخ الاسلام مليء بامثال هذا المنحرف الذي اراد أن يبلغ الغاية فوجد في حرق المصحف الشريف وسيلة لبلوغها ، فأطلق انحرافه من مجتمع يحلل المساس بالكتب السماوية ، ويحظر التصدي للمثلية والمخدرات والانحرافات ، فهذا المجتمع وامثاله مجتمع أسه خاوٍ ومبانيه منحرفه وقاطنيه يهيمون كما باقي المخلوقات بقصد لملمة ما يسد مستلزم اليوم بصرف النظر عن الوسيلة ولو كانت على حساب الثوابت الاخلاقية ، بعد أن أصبحت عندهم الاخلاق عبث والشرف خرافة والثوابت تخلف . لقد تعالت الاصوات المنددة بالتعرض لحرمة المصحف الشريف على المستوى الرسمي والشعبي والديني ، فكان الاول خجلاً الا في العراق الابي ، والثاني متردداً الا عند الصادقون في حمل الرسالة من ابناء الوطن ، والثالث على استحياء ، الا عند مرجعنا الاعلى الذي سكت فأرعب ونطق فحرك ، إذ اختار أن يخاطب رأس المنتظم الدولي .
مخاطبة الساسة
الممثل الرسمي له والناطق باسمه والمعبر عن رأيه ، إذ لا جدوى في مخاطبة ساسة أحلوا حرام وحرموا حلال ، واجازوا انحراف وحظروا مبدأ وثابت ، ولم يخاطب رجل دين اعتلى وتصدى وتربع على عرش الكنيسة ، لا لعلة فيه ولكن لعلة في الاتباع ، الذين تحللوا من التعاليم وتنكروا للدين وصدوا عن المراجع ، فراح الدين عنوان والاتباع احرار . لقد توجه سيدنا المرجع الاعلى ” أعلى الله مقامه” بالخطاب لرأس الامم المتحدة ، بعد أن راحت بعض القيادات الدينية تخاطب المراجع والبلدان ، فاصاب وظلوا ، نعم توجه سيدنا المرجع الأعلى لهرم المنظمة الدولية ، فأنطّق بلدان ووحّد توجهات وعبّر عن رفض ، بغيره لن يأتي الرد موجوعاً والرفض ناجعاً ، لقد عبّر الامين العام للامم المتحدة عن رفضه الحرق المشين ، وشجبه التعصب المقيت ، وادانته التمييز البغيض ، فكان الرد دولياً والرفض أممياً والتنديد جامعاً ، وربما كان في تمني رأس الهرم الاممي المزيد من التواصل والتشاور مع سماحة مرجعنا الأعلى ” مد ظله ” ، الحجر الاكبر الذي ألقم به كل حاسد تمنى الوصل فلم ينله ، وسعى للمكانة فلم يبلغها ، وتشبث باستار المجد فلم يبلغ سفحه ، نعم ليس للغير بلوغ مبلغ سيدنا المرجع الاعلى المعظم ، ففي اسمه علو ، وفي مكانته سمو ، وفي علمه وفرة ، وفي نبوغه تفرد، وفي زهده مثل ، وفي تواضعه عظة ، وفي حكمته تفرد ، في صمته رعب وفي حديثه تغيير وتبديل ، وفي زمانه ومكانه حكمة وغاية ، أقام جبراً في منزله فصدّع أركان حكم مستبد ، ونطق فأسقط مخططات محتل ، وهدّأ فأطفئ نار فتنة طائفية ، وافتى فحمى وطن وشرف وعرض وعقيدة ومال ، وخاطب فجمع كلمة ووحد رفض وانتزع شجب ، عظيمة مرجعيتنا الولود وكبير سيدنا المرجع الاعلى ، الحكيم الزاهد ، وخالدة نجفنا الاغر (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) صدق الله العلي العظيم .