منذ بداية تشكيل أول حكومة في العراق الجديد، سعت القوى السياسية الكردية الى الاستحواذ على الجهاز الدبلوماسي للدولة، من بينها تحديداً كان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزانيين، حيث كان ومازال هذا الحزب من أكثر القوى المتمسكة بالحصول على وزارة الخارجية العراقية.
ويعتبر القيادي في الحزب هوشيار زيباري من أكثر الأشخاص تولياً لحقيبة الخارجية لفترة امتدت بحدود 11 سنة، ثم التحق به فؤاد حسين الذي مازال وزيراً منذ ثلاث سنوات.
وما يحدث اليوم من تداعيات على خلفية أزمة ترسيم الحدود مع الكويت، أو ما يتعلق بالتّيه الدولي الذي يعيشه العراق في إطار متعلقات العقوبات الدولية التي أقرّها مجلس الأمن في التسعينيات، ويشمل ذلك مفردات البند السابع، يحدث كل هذا لأن الخارجية العراقية كانت تتقصد اعتماد سياسة هشّة ومنبطحة وخانعة ومنكسرة وتنازلية وتخادمية وتخابرية، وهي سياسة يقررها الوزير عادة.
وتندرج هذه السياسة الهشّة ضمن متبنيات الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يسعى دائماً الى إبقاء بغداد ضعيفة مقابل صعود أربيل على حساب ذلك، وهي رؤية يعتمدها الحزب كاستراتيجية لعمله السياسي الطموح في المفاصل الحكومية كافة التي يسيطر عليها، ويؤكد ذلك شهادات متعددة من كل وزارة جرى منحها لكوادر الحزب.
ويعتبر ملف المفاوضات العراقية – الكويتية أحد أكثر الأدلة وضوحاً على (السياسة التآمرية) التي اعتمدها وزير الخارجية هوشيار زيباري، الذي تلاحقه في نفس الوقت على خلفية هذا الملف اتهامات بتلقيه رشاوى من الجانب الكويتي، صارت توصَف في وسائل الإعلام وعلى لسان بعض النواب بـ(صفقة الحقائب)، كناية عن حقائب أموال حصل عليها زيباري من الجانب الكويتي، مقابل تنازلات مجانية قام بها سمحت للكويت بالتمدد على الأراضي والمياه العراقية.
ومع ذلك يشير خبراء المفاوضات الدولية والمختصون بقضايا ترسيم الحدود إلى أن الأمر لم يُحسم بعد لصالح الكويت، في حال عمل العراق الآن، ومن خلال جهود دبلوماسية حثيثة، إلى دعوة مجلس الأمن لإعادة النظر بكل ما صدر من قرارات خلال حقبة التسعينيات تحت ضغط العقوبات، وهي قرارات مُجحفة في كل الأحوال.
ويمكن أيضاً اللجوء الى شركات محاماة دولية رصينة، ويمكن استخدام مختلف أنواع الضغوط الإقليمية، وكل ما في متناول يد الدولة العراقية من قدرات، لتعديل ميزان المفاوضات أو حتى إجبار الكويت على عدم اللعب تحت الطاولة، باعتبار أن ذلك لن يخدم مسار الأمن والسلام الدائم بين البلدين.
ولكن على ما يبدو أن وزير الشمال الآخر، وهو (فؤاد حسين)، يودّ أن يستمر أيضاً بسياسة هوشيار زيباري التنازلية، باعتبار أن حدود الجنوب لا تعني له أو لحزبه أي شيء، خصوصاً أن الحزب مازال يعمل على خطط الانفصال عن العراق بإقليم شمالي تكون المناطق الغنية بالنفط، مثل كركوك وسهل نينوى، من ضمن حدوده، ولذلك هو لا يكترث لحدود الجنوب أو حتى مصير العاصمة بغداد.
وتتضح مخططات الشمال أكثر حين نلاحظ قيامه ببناء جهاز دبلوماسي رديف تابع له تحت يافطة (ممثلية الإقليم في الخارج)، ينمو منذ سنوات على حساب خارجية الدولة العراقية، بل إنه حتى يستغل سفارات البلاد ومبانيها وقدراتها المالية لبناء علاقات ونفوذ مع الأطراف الدولية، لتحقيق عدة أهداف من بينها تسقيط الجنوب وإضعافه.
ولعل بمجرد النظر إلى حملات تسقيط الحشد الشعبي على المستوى الدولي، مقابل حملات المديح والثناء الموجَّه لتسويق (مليشيات البيشمرگه)، وهي تشكيلات حزبية غير دستورية لديها سجل أسود من الانتهاكات والجرائم، يتضح إلى أي مدى يجري الطعن في خاصرة العراق من قبل الشقيق الشمالي.
وفي الختام .. وزراء الشمال لا يكترثون لحدود الجنوب، ولا لمصائر أهله، وهم يعملون قدر ما استطاعوا على إضعاف الدولة العراقية، لأن مشروعهم لا يُبنى إلا على مقبرة العراق، وهو ما يسعون إلى تحقيقه بمباركة الدول الإقليمية، وإلا كيف نفهم وصول حدود الكويت إلى (أم قصر) في حين كنا في السبعينيات وحتى الثمانينيات نختم جوازات سفرنا عند نقطة الحدود الكويتية في (المطلاع)؟.