نسمع أحياناً من مسؤولين عن التفكير ببدائل النفط الذي سينضب بعد عقود قليلة مهما طال امده، وهذا التوجه بحد ذاته وإن لم يكن له أساس في الواقع، انما يدل على استشعار عن بُعد للمصائب التي سيقبل عليها البلد بعد سنوات تطول او تقصر. في الجانب الثاني يبدو المشهد السياسي، والمتصارعون للوصول الى السلطة خارج هذا التفكير تماما، وفي كلتا الحالتين ، يقف العراق بعيدا عن تدابير المستقبل التي يمكن ان يواجه من خلالها مشاكل تئن منها دول كبرى وغنية ومستقرة ، فكيف حالنا؟
لنقف عند العتبة في تنويع المداخيل المالية التي هي جزء من تدابير المستقبل وليست كلها كما يعتقد بعضهم. وقبل ذلك يجب ان نحدد المجالات التي يمتلك فيها العراق إمكانات ولوج عوالم جديدة والتفوق عبرها.
المجال الزراعي والغذائي، برغم ازمة الجفاف الكونية، هو الميدان الذي لابدّ ان نتمسك به ونفتح مسارات غير مطروقة في سبيل تنميته وتحويله الى القدرة على جعل البلد مكتفياً ذاتياً من المحاصيل الاستراتيجية والأساسية، والانطلاق نحو كسب الأموال أو السلع والخدمات بالمقايضة مع دول مجاورة أو سواها.
أمّا مجال الصناعة المُعطل فذلك ملف كبير لابدّ ان تأتي ذات يوم حكومة تعي أهميته، وقابليته على جعل البلد مركزاً صناعياً مهماً لكثير من الصناعات بسبب توافر المواد الأولية الشائعة، وتلك التي لم يتم اكتشافها أو ما زالت غير مستثمرة تجاريا، فأرض العراق بحسب دراسات في مراكز بحوث أمريكية وأوروبية، مجال خصب للخامات المعدنية غير المستغلة حتى اليوم، كما انّ البلد لم يصل الى المستوى العالمي في انتاج الكبريت أو الفوسفات أو الصناعات الكيمياوية للأسمدة وغيرها مما هو متاح، وتوجد تجارب متراكمة منذ أربعة عقود فيها لم تتطور نوعياً.
الزراعة والصناعة واكتشاف الخامات الجديدة، هي مجالات استراتيجية يحتاج العراق ان يقفز بها درجات مضاعفة مئات المرات على ما هو عليه الحال اليوم، لكي نستطيع أن نضع اقدامنا على الدرجة الأولى في سُلّم الارتقاء البعيد.