كان البناء قائماً على أربع طبقات ، يتسع في جبهته ويضيق كثيراً في مؤخرته ، فيتحول بقدرة البناة الأفذاذ إلى شكل المثلث العتيق الذي يصطاد التلاميذ الكسالى التنابلة في مسألة الرياضيات المعقدة والهندسة التي تكشف سعة الأرض تحته من حاصل ضرب ضلع بضلع وصفنة بصفنة وخنزرة معلم غير رحيم .
الإنارة تبدو شحيحة وبخيلة والنوافذ المشتعلة هي أربع توزعت على الطبقات بعدل مبين .
ثمة قمر عملاق أضيف إلى المشهد الليلة ، وهذا البديع الرهيب تسميه الناس العائشة خلف الجبل وعلى مد الوادي والنظر بقمر الحصادين .
الإضاءة البخيلة تكاد تتشابه لكن ستائر الشبابيك الداخنة مثل فوانيس الفقراء كانت على قماش مختلفة ألوانه ، والظلال التي ترقص على حوائط الغرف لا تمنح الكثير من اليقين بوجود السيدة الريانة في أي طبقة من هذه الأربع المدواخات .
كرعتُ كأس العرق الحادة حتى وشالتها وأعدت قراءة آخر رسائل سيدوري إليَّ ، لكن الأمر بدا على درجة عالية من السذاجة والهشاشة والإنزياح المجنون الذي يشبه انفتاح روازين العشق والغرام المباغت .
في النهار الطويل أتمتع بفرجة متاحة منثورة على أربع نساء بيضاوات لدنات حلابات ، وهن يكنسن ويشطفن الشرفات الصائحات ، أو يعلقن حافظات الأثداء على حبال راقصة مشاعة تسر الناظرين الأحرار ، أما في الليل فسوف تكون على ميعاد تالف قائم على إشارات تزداد ريبة كلما ماءت قطة ونبح كلب في الجوار .
كتبت ان اسمها الحقيقي هو سيدوري فرددت عليها بالتعجب والتكذيب واللهفة فردت عليّ بمسبحة من حرف هاء جعلني أفور من فرط ضحكه وسخريته المرة السخماء .
على واحد من بيبان العصر المغبر عاجلتها بمكتوب يفند زنديها وصدرها الهاطل المائع مثل أم أفريقية ضخمة مزروعة تحت شجرة صمغ ، وإن خريطة جسمها المرتبك لا تشبه ما كانت عليه سيدوري الأولى صاحبة جلجامش وأنكيدو والصبي الفذ خزعل الماجدي .
في التكرار الممل الذي يشبه أغنية بائتة في رأس الدرويش ، مرت كل المواسم المشمسة الهادئة الهائجة الصفراء الحمراء البيضاء العاصفة الراعدة الساكتة ، وظل الليل غامضاً ومبهماً ، والنهار حبل غسيل يتصابى ويلوّح بتأويلاته لحكاية بدت غاطسة في لجة من أفخاخ المعنى ، كأنها لطعة من حلاوة ليل يقلّيها المغني المرواتي التعيس ، ويلحنها جوقٌ أخرق يمر بالزقاق ويضحك فقط