رُبما لليوم الخامس على التوالي، يخوض الرأي العام الإحتجاجي و السياسي في جَدلية يطفو على سطحها الجُرح العاطفي للضحايا من فرط الحساسية في الخَوض بها.

خمسة أيام على مدار الساعة بُنيَ الجدال على سؤال إنكاري مفادهُ (هل ما حدث في السِنك أيام إحتجاجات تشرين يَصح القول فيه على أنه مجزرة؟).

من اللافت للنظر هو أن تمتزج العاطفة مع فَذلكات اللغة و أسلوب الإيهام و طريقة التَفقُه في الفهم و الإنكار في نقاش هكذا قضايا خاصة على مستوى الشارع ( الضحية) في ظِلال هَيمنة الجَلاد (السلطة).

و قبل أن أطرح جواباً على أُس النِقاش العَقيم هنالك جزءاً مهماً من نَص السؤال و ما عَصفه من تبعات مَشحونة بالإلم و المرارة و التشظيات في الرأي.

الجزء المفقود هو أن يَحتمل جواب سؤال صديقنا السائل سؤالاً أكبر، من المسؤول عن ما حصلَ في تشرين المنتفضة بزماناتها و مكاناتها المتعددة في ضوء غيابِ أهمُ علامتي إستفهام لا يُمكن إنكارهما
الأولى: غياب هوية الفاعل المُرتكب للعنف و القتل و الإختطاف و التعذيب، من الذي قمع و قتل المتظاهرين؟

الثاني: و لغرض الوصول إلى إحصائيات دقيقة للضحايا المتظاهرين، من هي الجهة الرسمية المسؤولة عن ذلك و التي يُمكن الرُكون إليها؟

بلا شَك، ليس فقط الحكومة ” الحكومتان التاليتان” بل النظام السياسي و أهم مؤسستين فيه القضائية و التشريعية.

ليسَ من العَدالة و لا من واجب الضحايا إثبات ما يُدل على أثر الفعل أو الأحداث الدامية طالما ثَبُتَ أنهم ضحايا عُزل.
و لا حتى مسؤوليتهم القبول بذلك عن طريق الذَبح بسيناريوهات خَلط الأوراق ليَتفرق دَمهم بين التفسير و التأويل.

ما يهمني هنا هو أن أرتدي جلباب الباحث الأكاديمي و أُطالب من يُنكر تسمية ” مجزرة ” على ما حَدث في السنك هو الوقوف على خط التعريف الإصطلاحي لمفهوم (مجزرة Masscare) و بشتى أنواع الغات. تاركاً تحدياً مُعلناً لكل من يأتَيني بتعريف لمفهوم ” مجزرة ” يتضمن محور (العدد المُحدد للضحايا)؟

أقول ..
لن و لا يوجد تعريف واحد للمفهوم يتضمن رقم لعدد الضحايا، كرقم محدد.
عدا التكميم و هو البُعد الأول الذي تجتمع عليه التعاريف للمفهوم و هنا مساحة التصنيف تقف عندما يزيد عدد الضحايا عن الرقم واحد.
أما البُعدين الآخرين في توصيف التعريفات مُجتمعةً بغض النظر عن الصياغة اللغوية فهما
١. أن جماعة مسلحة مارست القتل بحق جماعة لا تمتلك السلاح.

٢. أن يكون هناك عامل ترويع و تفنن في الإصرار على القتل.

ختاماً … سواءً أكان الذينَ قضوا نحبهم في مجزرة السنك ٣ أو ١١ أو ٣٦ أو أكثر. فالمجزرة مستوفية لأبعاد التعريف الثلاث و لا جِدال في النَص كما يقول المؤمنون.

هامش/ مفهوم مجزرة هو مفهوم علمي و أكاديمي و حقوقي تَلتزم به العلوم السياسية و القانون و حقوق الإنسان خارج حدود القناعات الشخصية، و كما أسلفت أتحدى أن يردني تعريفاً واحداً يُحدد الضحايا كرقم بالإضافة إلى كم.

(عيب أخلاقي أن نستهترَ حتى في المعرفة بُغية اللعب بالعقول و العواطف)
و لنأتيَ إلى حدٍ سواء في قول الحق أو نلقي السمع و نحن شهداء أيها النخبة.

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *