كان للأعلام المضلل الذي مارسته السلطة الاموية قبيل معركة الطف وأثنائها دوراً مهماً في تهيئة الجو العام والجمهور في الشام لحدث جلل سيصيب الأمة الاسلامية بمقتل ، وقد ساعدها في ذلك عوامل كثيره لعل أهمها عزلة الشاميين وبعدهم الجغرافي والفكري لما يحدث في الساحة السياسية فضلاً عن غربتهم عن الجذور والمنابع الأصيلة لتراث امة اعطت تضحيات جسام لتعلو للأسلام راية ويكون للحق دولة. فرغم ان فتح الشام قد شارك فيه أكثر من مائة وثلاثون صحابياً مع الجيش الكبير الذي قاده خالد بن الوليد إستقر أغلبهم فيه الّا إن جُلّ هؤلاء ماتوا ولم يكن ايام ثورة الامام الحسين عليه السلام سوى أحد عشر صحابياً ممن بلغ من العمر عتيا وقد آثروا العزلة. ولهذا كان الجيل الشاب الجديد الذي ولد وترعرع في الشام يعتبر اسلام السلطة الاموية المنحرف هو الاسلام الحقيقي والاصيل.كان من بين أهم وسائل الاعلام المضلل حينذاك هو أعمال التجهيل الممنهج وإماتت الوعي الديني وقد رافق ذلك وعلى مدى اربعة عقود تصفية للخصوم ونفي للمعارضين حتى بات العامة طينة طيعة لحبائل السلطة التي عرف عنها الدهاء والمكر والخديعة. وهناك مصاديق كثيرة لظاهرة الصم والبكم المعرفي الذي كان سائداً في أوساط الشاميين لعل ابرزها نظرتهم القاصرة لمكانة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وتقبلهم لشتمه والنيل منه ، ومنها تصديقهم للرواية الحكومية لمقتل عمار بن ياسر وكيف ان الفئة الباغية التي اشار اليها الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم التي تقتل عمار هي الجماعة التي أخرجته للقتال، ويكفينا في هذا المقام مقولة معاوية لأحد الكوفيين بعد نزاع له مع أحد الشاميين في أمر بعير إدعوا أنه ناقة حيث ذكر معاوية أن: (( أبلغ علياً أني أقاتلهُ بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل)).
ولهذا كان من السهل على السلطة الاموية أن تنعت ثورة الامام الحسين عليه السلام بأنها حركة خوارج أو أنها فئة باغية على الحاكم الشرعي وهي خديعة تجد صداها حتى الوقت الحاضر في عقول الجماعات الضالّة. يروى أن أحد الشاميين عندما رأى حرم آل البيت عليهم السلام قد جيء بهم الى دمشق بعد انتهاء المعركة قال:(( الحمدلله الذي قتلكم وأهلككم وأراح الرجال من سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم)) ..فرد عليه الامام علي بن الحسين عليه السلام وهو الرجل الوحيد الناجي مع الحرم وذكّرهُ بآية : (( قل لا اسألكم عليه أجراً الّا المودة في القربى))، وآية: (( وآت ذا القربى حقهُ)) ، وآية:((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا))، وقال له نزلت هذه الايات فينا فنحنُ ذوو القربى ونحنُ أهل البيت فوقع ذلك على الحاضرين كالصاعقه وتبين لهم حجم الخديعة التي أوقعتهم بها السلطة الغاشمة وأعلامها الكذوب.
من هذا الموقف ومن غيره ومن بعض ما جرى من خطب وحوارات في مجلس يزيد أُ سقطت الدعاية الاموية ووجد اعلام السلطة حينذاك نفسهُ مفلساً أمام قوة الحق وسلطة المنطق. إن قوة الاعلام المضلل للأمويين والرد الناجز عليه لهو درس آخر من دروس الطف الخالده والتي ينبغي استحضارها في كل التحديات التي تواجه الأمة فالمعركة مستمرة بأدوات مختلفة ضمن حرب ناعمة لا تهدأ، فالقوم أبناء القوم.