‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬وعلى‭ ‬أثر‭ ‬حركة‭ ‬سريعة‭ ‬باستعمال‭ ‬السكين‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭ ‬جرحت‭ ‬يدي،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الجرح‭ ‬كبيرا‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬عميقا‭ ‬لذا‭ ‬انبثق‭ ‬الدم‭ ‬بسرعة،‭ ‬هرعت‭ ‬لخزانة‭ ‬الأدوية‭ ‬وضمدت‭ ‬الجرح‭ ‬باللاصق،‭ ‬ورجعت‭ ‬للمطبخ‭ ‬وغسلت‭ ‬يدي‭ ‬وأكملت‭ ‬الطبخ،‭ ‬وبعد‭ ‬دقائق‭ ‬أبدلت‭ ‬اللاصق‭ ‬وتوضأت‭ ‬فوق‭ ‬الجرح‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭..‬‭ ‬لم‭ ‬أعر‭ ‬للموضوع‭ ‬أهمية‭ ‬وقتها‭ ‬لانشغالي‭ ‬بأمور‭ ‬عدة،‭ ‬انما‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬جمالية‭ ‬لاصقات‭ ‬الجروح‭.. ‬شرائح‭ ‬صغيرة‭ ‬وسهلة‭ ‬الاستخدام‭ ‬وتضمد‭ ‬الجرح‭ ‬وتمنع‭ ‬التلوث‭ ‬وحتى‭ ‬سعرها‭ ‬زهيد‭ ‬جدا‭ ‬وتساعدك‭ ‬على‭ ‬شفاء‭ ‬جرحك‭ ‬سريعا‭ .. ‬تساءلت‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬حول‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬حفظناه‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭: ‬

جراحات‭ ‬السنان‭ ‬لها‭ ‬التئام‭ ‬

‭ ‬ولا‭ ‬يلتئم‭ ‬ما‭ ‬جرح‭ ‬اللسان‭ ‬

وعقب‭ ‬ذلك‭ ‬جرت‭ ‬مقارنة‭ ‬سريعة‭ ‬بين‭ ‬لاصقات‭ ‬الجروح‭ (‬الجماد‭) ‬وبين‭ ‬لاصقات‭ ‬الجروح‭ (‬القلوب‭)… ‬جراح‭ ‬الجسد‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬فهي‭ ‬تحتاج‭ ‬لوقت‭ ‬وتنتهي،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬الطرفة‭ ‬أتذكر‭ ‬ان‭ ‬إحدى‭ ‬صديقاتي‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬إن‭ ‬قدمها‭ ‬لويت‭ ‬أثناء‭ ‬نزولها‭ ‬الدرج‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تزحلقها‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فطر‭ ‬في‭ ‬عظمة‭ ‬إحدى‭ ‬ركبتيها،‭ ‬تقول‭ ‬جَبَروني‭ ‬ورجعت‭ ‬ومعي‭ ‬لائحة‭ ‬إرشادات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬طبيب‭ ‬الكسور،‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بالألم‭ ‬كثيرا،‭ ‬كان‭ ‬زوجي‭ ‬يداريني‭ ‬جدا‭ ‬ورقيقا‭ ‬معي‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬الصب‭ ‬لكني‭ ‬كنت‭ ‬اشعر‭ ‬إني‭ ‬خفيفة‭ ‬الروح‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬نفسي‭ ‬سعيدة‭.. ‬وسعادتي‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلا‭ ‬فقد‭ ‬شفيت‭ ‬والتأم‭ ‬العظم‭ ‬ورفعوا‭ ‬الجبيرة‭ ‬،‭ ‬وراح‭ ‬الدلال‭ .. ‬

هذه‭ ‬القصة‭ ‬برهان‭ ‬آخر‭ ‬ان‭ ‬الشخص‭ ‬يتألم‭ ‬نفسيا‭ ‬أكثر‭ ‬باضعاف‭ ‬من‭ ‬تألمه‭ ‬الجسدي‭.. ‬الجسد‭ ‬له‭ ‬خيارات‭ ‬كثيرة‭ ‬بالعلاج‭ ‬وابسطها‭ ‬لاصقات‭ ‬الجروح،‭ ‬لكن‭ ‬جراح‭ ‬الروح‭ ‬ونكباتها‭ ‬وخذلانها‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬حولها‭ ‬يجعلها‭ ‬منطفئة،‭ ‬كيف‭ ‬يجعلها‭ ‬تقاوم‭ ‬تلك‭ ‬الجراح‭!!!! ‬

نعم‭ ‬هناك‭ (‬النسيان‭) ‬والنسيان‭ ‬أمر‭ ‬بطيء‭ ‬جدا‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬ممن‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬جيدة،‭ ‬فبالتالي‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجيدة‭ ‬سيئة،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬ينسى‭ ‬قطعا،‭ ‬والدكتور‭ ‬الفيلسوف‭ ‬مصطفى‭ ‬محمود‭ ‬وضح‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬حين‭ ‬قال‭ : “‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يذهب‭ ‬وانما‭ ‬يتحول،‭ ‬فحتى‭ ‬عود‭ ‬الثقاب‭ ‬حين‭ ‬يحترق‭ ‬فهو‭ ‬بالتالي‭ ‬يتولد‭ ‬إلى‭ ‬أمور‭ ‬كيميائية‭ ‬أخرى‭”.. ‬

وأجد‭ ‬الأمر‭ ‬مشابها‭ ‬لجروحنا‭ ‬القلبية،‭ ‬نحن‭ ‬ننسى‭ ‬أو‭ ‬نتناسى‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نتذكر‭ ‬بل‭ ‬نتعظ‭ ‬ونتعلم‭ ‬ونأخذ‭ ‬درسا‭ ‬ونحن‭ ‬ونصيبنا‭ ‬بقوة‭ ‬الدرس‭ ‬وعمقه‭.. ‬المهم‭ ‬لا‭ ‬نبقى‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬قبل‭ ‬الدرس‭. ‬وختاما‭.. ‬ابعدنا‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الجراحين‭ ‬بنوعيها‭ .. ‬وأقول‭: ‬اننا‭ ‬يلزمنا‭ ‬براءة‭ ‬الأطفال‭ ‬لينطبق‭ ‬علينا‭ ‬الشعر‭ ‬التالي‭: ‬

هبني‭ ‬نقاء‭ ‬الطّفل‭ ‬عند‭ ‬يقينه‭ ‬

‭ ‬أنّ‭ ‬الجروح‭ ‬تروح‭ ‬بالتّقبيلِ‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *