لو تفحصنا ألقاب المرضى النفسيين من قادة ورؤساء وملوك لوجدنا أنهم يصرون على أن يسبق اسمهم ألقابا تستعرض عضلاتهم وتثبت عدم ثقتهم بنفسهم الأمر هذا تلمسه في حياتنا اليومية فكم من نكرة يريد أن يثبت للآخرين بألقاب لا تمت له بصلة وهو يسعى ليحصد ألقابا بالتملق والتزلف لأصحاب القرار وربما يلجأ ليمنح نفسه شهادات لم يتعب نفسه في الحصول عليها في زمن كثرت فيه الألقاب العلمية التي يسهل الحصول عليها وثبت يقينا في زمننا الحاضر أن من يمتلك المال يستطيع الحصول على الشهادات العليا فصديق لي لا يتقن كتابة مقال ذهب لأحدى الدول العربية وناقش الماجستير وأنا متيقن أن من أشرف على رسالته هو من كتب الرسالة واتفق مع اللجنة المشرفة على الاسئلة التي ستطرح عليه ولقن المشرف طالب الماجستير الأجوبة النموذجية ليتحصل على درجة امتياز ومثل هؤلاء كثير حدث فلا حرج فكم من موظف كبير حصل على اجازة دراسية جاملته اللجنة المشرفة لتمنحه الألقاب لغرض الدرجة الوظيفية والعلاوة وهؤلاء تنكشف عورتهم مع أول نقاش يثبت جهلهم في مجال اختصاصهم وأميتهم الثقافية فهو لم يقرأ كتابا واحدا خارج المناهج الدراسية وتستدل على جهله عندما يكتب لتجد اخطاء إملائية كارثية. سابقا كان من يحمل لقب دكتور في أي مجال تراه يستطيع أن يتحدث اللغة الأنجليزية بمنتهى الطلاقة ومن المخجل حقا أن البعض يصر على الترويج لنفسه ويقدم نفسه للجمهور على أنه دكتور في اختصاص ما. جمعتني الصدف بأحد هؤلاء الأفاقين عند نائب رئيس الوزراء سلام الزوبعي رحمه الله في بيته في شارع الزيتون ويبدو أنه لم يعرفني وكان يشرح للحضور كيف انه ساهم في تصميم الطائرة F14 وكيف كان يشرح خططا اقتصادية في انقاذ وضع البلد وكنت ابتسم واضحك حتى انتبه رحمه الله علي وسألني :- ما يضحكك استاذ سعد؟!
فقلت لي أن احدهم بعث لي بنكتة مضحكة جدا. وكنت كلما حاولت الخروج والمغادرة يصر على أن أبقى حتى غادر صاحبنا وطلب مني أن أخبره حقيقة ضحكي فقلت له :- صاحبك أعرفه جيدا واسمه كذا ولقبه كذا وكنيته كذا وقلت له أنه لا يحمل سوى شهادة المتوسطة ولكنه أعتمد على أناقته بالترويج لنفسه وطلبت منه أن يرتب لقاء آخر لاستصحب صديقا لي كان يعمل مهندسا للطائرات في الجيش العراقي السابق ولكنه عندما علم بالأمر فر وقطع علاقته بالمرحوم وذات مرة كانت الزميلة نداء العنبر التي كانت تقدم برنامجا في قناة البغدادية وكان هو الضيف وظهر بصفة خبيرا اقتصاديا واتصلت بالدكتورة نداء العنبر وبينت لها حقيقته وكنت حزينا لأن حملة شهادات عليا بلقب دكتور وهو لن يجتاز امتحان الاعدادية.
مثل هذا كثير وهناك من يحاول التسلق على اكتاف الآخرين ليحصل على القاب وامتيازات كثيرة فتراه بالرغم من كذبه في حصوله على لقب علمي يستلم اكثر من راتب بل ويصر على أن يتعامل بمنتهى الأنانية والنرجسية وصفته الأولى أنه لا يشبع ويحب الظهور فربما نافس زملاؤه على مبالغ زهيدة أو ايفادات او امتيازات لا يسمح ان يشاركه بها الآخرون فهو المقدم ويمارس دكتاتوريته على الآخرين الذين يعرفون تفاصيل عنه ربما تغيب عنه شخصيا فهو وإن قاد مجموعة فهو ليس بأكبرهم سنا ولا شهادة ولا ثقافة ولكن تربية من معه لا تسمح لهم أن يعروه أمام نفسه وأمام الآخرين لاعتبارات كثيرة لكنه يضرب كل هذا عرض الحائط ويتمادى في غيه ودكتاتوريته ولا يريد أن يفهم أنه مكشوفا أمام الآخرين ويصر على أن يثبت للآخرين أنه أفضلهم وهو ليس كذلك.
سهل على هذا التملق والادعاء وطأطأة الرأس ومسح الكتوف وسكب ماء الوجه ولكنه صعب على الآخرين الذين يعتزون بأنفسهم وكرامتهم ولا يتخضعون ولا يتذللون رغم عوزهم وفقرهم. متى يبدأ أنهيار أي مشروع؟!
عندما يستطيع هذا على جذب من هم على شاكلته فيكون حزبا مناصرا له يحمي به نفسه ويتكأ على هؤلاء للدفاع عنه لارتباط مصالحهم بمصالحه حتى لو حاول بقية الشرفاء بالثورة عليه وازاحته حتى ولو بالسبل السليمة أبى انصاره من السفلة والجبناء والمتملقين والمنافقين وبذلك يظل مثل هذا في القمة يغذي غروره من يدافع عنه من اجل فتات الموائد. هكذا تنهار مؤسسات ودول لأن من لم يعرف حقيقة هؤلاء سيظن بهم خيرا وربما يسلمهم زمام أمور لا يستحقونها ابحث عن هؤلاء ستجدهم هم المقربون لدى المسؤولين وكثير من اصحاب القرار ورؤساء الاحزاب ومن ينوي الترشيح فاتقان هؤلاء ولعبهم الدور بحرفية يخدع الكثير وهكذا تفشل الدولة وكل مؤسسة كبيرة كانت أم صغيرة لأنها سلمت أمرها لهؤلاء المحبين بالحصول على ألقاب لا يستحقونها فتجدهم مستشارين لدى هذا المسؤول أو ذاك أو مسؤولا عن تلك الدائرة أو المنظمة أو تلك وما أن تنتهي مصلحة مع هذا ليقفز لذاك يخلع هذا القناع ويرتدي ذاك يتلون تلون الحرباء وهؤلاء هم المرض الأكبر والوباء الذي ابتلى به العراق فهم أساس الفساد الذي نخر هيكل الدولة فلن يقدم هؤلاء لاصحاب القرار نصيحة تنفع ولا رأي صائب والطامة الكبرى أن الخلاص من هؤلاء أصعب من تصحيح المسار ومحاربة الفساد لأن هؤلاء ارتبطوا بروابط وثيقة مع اصحاب القرار الذين آمنوا بهؤلاء وإن تعرضت لهم أو انتقدتهم أو كشفت حقيقتهم ستجد الآلاف يدافعون عنهم باستماتة لجهل المجتمع وسذاجته وعدم قبوله بكشف الحقائق وهكذا هو الأمر مع كل المتنورين والمدافعين عن الحق والحقيقة في كل زمان ومكان ألم تر أن الرسل والانبياء وكل العلماء حوربوا لأن اتباع هؤلاء يرفضون قبول الحقيقة ولا يكتشفونها إلا بعد فوات الأوان. ينجح هؤلاء عندما ينمون حب الحصول على الألقاب لمن فوقهم ويصيبونه بهذه العدوى كسبا لوده وطمعا في رضاه وهذه هي أسهل طريقة لخداع المسؤلين فما أن ترى المسؤول يحمل أكبر عدد من الألقاب فتيقن أن حوله مجموعة من المتملقين الذين سيزيفون له الحقائق ويقلبون له الأمور ويصنعون بينه وبين الواقع فجوة كبيرة لن يستطيع تجاوزها. البيروقراطية والأنانية وحب الذات وحب الظهور والتملك واتقان النفاق والتملق اسلحة هؤلاء ومواجهتهم يعني أنك لم تعلن الحرب عليهم فقط بل على مجتمع متهالك لن تستطيع اقناعه او الانتصار عليه بالحجة والدليل وسيكون مصيرك مصير الكثير الذين رفضهم المجتمع ثم خلدهم بعد قرون من محاربتهم.