تبقى جريمةُ سبايكر غصةً في بلعومِ التاريخ العراقي مثلما بقيت ماساة الإمام الحسين عاراً ابدياً للمجرمين في تاريخ الاسلام مهما مضت السنوات وتعاقبت الأجيال . ولذلك فإنّ أحياءَها واجبٌ اخلاقي وانساني بغض النظر عن السجالات الضيقة التي تنظر اليها جريمة من جرائمَ حدثتْ بسبب الاضطراب الأمني في العراق.
ولكون سبايكر محاطةً بجميعِ الأبعادِ السياسية والدينيةِ والوطنيةِ والأخلاقية، أصبحتْ جريمة ًمركزية تمثل الحالة القصوى للانتهاكاتِ واعمال القتل التي ارتكبَها الارهابُ في العراق بأشكاله ومناطقهِ وضحاياه كافة .
هذا الهولوكوست العراقي الذي يحاول الكثيرُ التعتيم عليه أو نسيانه وادراجه ضمنَ الحوادثِ المعتادةِ التي تسببُها الأخطاء والبغضاء السياسيةِ،جريمة تاريخية مركّبة تستوجب مراجعاتٍ في كل حياتنا وسياستنا وعقائدنا ونصوصنا وقوانيننا واعرافنا ، بل بمستوى الوحشية المفرطة التي كان عليها الارهابيون الذين ارتكبوها ،أو من مهدّد لهم وساعدهم على ارتكابها.
كل هذه الانطباعات وغيرها كانت حاضرةً يومَ الأحد الماضي حيث أقامت مؤسسة الشهداء على قاعة الكفيل وسط العاصمة البريطانية لندن حفلاً لاحياءِ السنوية التاسعة للمجزرة البشعة .
حيث استعيدت الماساة بكل لحظاتها المؤلمة وشهودها في الحفل الذي احياه جمهور واسع من الجالية العراقية واداره وقدم فقراته الكاتب والاعلامي علاء الخطيب. استهل الحفل بقراءة من الذكر الحكيم اعقبها فيلم روى فيه الناجي من المجزرة علي حسين كاظم التفاصيل الدقيقة للاعتقال وسَوق مايقرب من الف وسبعمائة شاب من موقع سبايكر الى حُفَرِ الموت الجماعي باسلوب اجرامي رآه العالم أجمع واللحظات الصعبة التي جعلته يفلت باعجوبة من بين جثث الشهداء.
ثم كلمة لرئيس مؤسسة الشهداء السيد عبد الاله النائلي القاها الاستاذ احمد البغدادي،اكد فيها على مواصلة المؤسسة رعاية أسر الضحايا، مشددا على أنّ ذلك لايكفي اذا لم تقر جريمة سبايكر كجريمة انسانية دولية ارتكبها ارهابيون في ظل الفوضى السياسية والامنية التي شهدها العراق.
بعدها عرض فيلم وثائقي مؤثر بصوت الشاعرة المبدعة ورود الموسوي من اخراج الفنان حسن الجراح تحدث عن واقع الماساة العراقية عموماً وجريمة سبايكر وانفجار الكرادة كعلامتين بارزتين في عالم القسوة والاجرام الذي تعرض له الفرد العراقي .
ثم قدم الروائي جمال حيدر فصلا من روايته حول سبايكر (قمر احمر على سبايكر) وفصل اخر من روايته ( شموع على ارصفة الكرادة) التي اشارت الى استثنائية الموت وبشاعته في ذلك الانفجار الرهيب .
شعراء عراقيون معروفون شاركوا في احياء المناسبة ، ابرزهم الشاعر عبد الكريم كاصد والشاعر الدكتور صباح جمال الدين ووجدي ابو الريحة أعقبتهم الشابة زينة حسن بكلمة باللغة الانكليزية لاستذكار الضحايا .
الطبيب الدكتور عبد الامير المختار الذي رافق القطعات المقاتلة ضد داعش في تلك الفترة وصف في كلمة له التفاصيل الانسانية والبطولات الفردية التي استبسل فيها العراقيون ودعا كذلك الى تدويل قضية اسبايكر لتكون شاهدا على مر التاريخ لفعل الارهاب ضد الابرياء .
تضمنت امسية الحفل ايضا معرضاً للنحت والرسم تناول شهداء مجزرة سبايكر وأعمال أرهابية أخرى حيثعرضت منحوتات ولوحات للفنانين العراقيين محمد الدعمي وعلي الموسوي كاظم شمهود حسن الجراج جلال والمصور ناصر مرهوم الذي عرض صوراً عن جريمة تفجير الكرادة . بالاضافة الى حفل لتوقيع روايتي جمال حيدر الصادرتين عن دار نشر لندن التي اقامت معرضا لاصداراتها ضمن فعاليات احياء المناسبة .