كثيرة هي احداث التاريخ التي سجلها البشر منذ ملايين السنين، منها ما اندثر واصبح في طي النسيان ، ومنها ما رسخ في الذاكرة لينتج فعلاً ويصنع حياةً .
الدماء التي سالت في كربلاء لم تذهب الى الفراغ ،
بل انتجت ثقافة ومنهجاً ، ثقافة ” الرفض ” التي كادت ان تندثر في ظل حكام الغلبة والاستبداد.
هي الدماء التي علمتنا ان الحرية هي القيمة العليا في هذه الحياة ، لذا كانت صيحة كربلاء العظيمة ” ان لم يكن لكم دين فكونوا احراراً في دنياكم ”
هذه الدماء علمتنا ان الحرية هي النزوع نحو الانسانية ورفض كل الادران، علمتنا ان الحرية تعني العقلانية والتخلي عن العصبيات المخلة بقيم البشر ، ورفض الظلم بكل انواعه .
الحرية هي ثقافة الرفض وثقافة الـ ” لا” بوجه الفساد
الحرية التي شخصها الامام الحسين هي الحرية المجردة من كل شيء سوى الضمير .
يصرخ الحسين بوجههم ويقول ” ان كنتم بلا دين وكنتم لا تخافون المعاد … فكونوا احراراً في دنياكم ، أي ارجعوا الى ضمائركم الى ارواحكم المجردة .
الدين بلا حرية مجرد شعارات فارغة وفروض خاوية.
الحرية قيمة عليا لا يحملها سوى الاحرار والثوار في سبيل الحق
الحسين عليه السلام يثوِّر فينا روح الحق المقترنة بالحرية، وكأنه يقول الباحث عن الحق هو الانسان الحر .
فالصدق والعدل والحق لوازم الحرية
فلا حرية مع الكذب والدجل ولا حرية مع الظلم ولا حرية مع الباطل .
ولا اصلاح دون حرية.
حينما يقول : ” لم أخرج أشراً ولا بطراً ، وانما خرجت لطلب الاصلاح ”
الاصلاح الذي نشده الحسين هو الاصلاح المقترن بالحرية ، والمعرفة ، وأولى خطواته هي نبذ العبودية والانفتاح على الواقع بكل صدق ، بعيداً عن الشعارات واستغفال الناس .
الاصلاح الحقيقي هو الكلمة السواء التي تجنح للوعي .
الاصلاح هو استنفار القيم الخيرة في نفوس الناس من خلال المثال الذي يعكسه الزعيم او القائد، وهو غير مرتبط بالاشخاص .
فهو حركة تنوير وتحرير للعقل قبل النظام .
اذ وقف الحسين يبكي على اعدائه لانهم لا يفقهون كنه الاصلاح وابعاده الانسانية وانعكاساته على حركة المجتمع .
واعتبروا ان المعركة بين طرفين من اجل الزعامة، وليس تصحيح وتقويم للانحراف الذي تسير عليه الدولة .
لقد اثمرت دماء سيد الشهداء والمؤمنين بحركته حرية وكرامة ، ورفض،
صنعت قيماً جديدة ، قيماً خالدة فصلت بين الحق والباطل .
لكنها لم تسلم من الاستثمار السياسي .