نرى في هذا الكون كثيراً تغيرات كونية، وأخرى مادية، وكذلك مناخية، نشعر بها بعد مرور فترة طويلة من الزمن، لكن لم أرَ كتغيرات ساكني هذا الكوكب من بنو البشر، ففي كل سنة تمر وكل يوم وكذلك كل ساعة تختلف الموازين والعادات التي ورثناها من الأجداد، فالطيبة انقلبت لكراهية، والحب تحول لبغض، والأخوة أصبحت عداوة، والرفقة صارت جفاء، لذلك دائماً نحن لماضينا لانه الزمن الأجمل على الإطلاق، كونهم رحماء فيما بينهم كانت معيشتهم بسيطة يملؤها التواضع، اما اليوم فمليت حياتنا بالكبر وحب الذات والإنطواء على انفسنا، والشك أخذ مأخذه من قلوبنا التي كانت بالأمس بيضاء لا تشوبها شائبة، كرهنا بعضنا فسلط الله علينا الهم والحزن بمقدار غلنا الذي ملء اجسادنا.
فلم يبقَ صاحب ولا رفيق ولا زميل ولا بئر للأسرار الصديق اصبح عدواً والصاحب مصلحة والرفيق منافق والزميل منافس وانقلبت الموازين كلها، لم يبقَ احد سوى بعدد اصابع اليدين لا بل اليد الواحدة فقط فاليد الأخرى بترت واصابع اليد الباقية أصابها الغرغرينيا، المرض الذي ينتشر بلمح البصر، ولا شفاء منه الا ببتر الجزء المصاب، بين فترة واخرى نبتر منها اصبعاً وسيأتي اليوم الذي ستبتر كلها ويصاحب كل عملية بتر الم كبير ووجع ينتزع منا الذ الذكريات معهم، شكرا للذين بتروا واكتشفنا مرضهم وشكرا للذين بقوا سندا لنا رغم قلتهم.
{ (كتبت هذه الكلمات في تعليق لمنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي للكاتب رسلي المالكي حين مدح الصداقة)