الحدائق العامة هي استثمار في تنمية الطفولة والراحة النفسية للأسرة العراقية، لكن مَن في هذه الايام يقف عند هذا الباب من احتياجات الناس، وقد عظمت عليهم مشاق أكبر في الحياة التي تفتقد الى تيار كهربائي مستقر أو مياه صالحة للشرب او طرق آمنة ووسائل نقل ميسرة بين المناطق أو المدن.
الحديقة في المدن، لم تكن من اهتمامات البلديات او الإدارات المحلية الا في نطاق ضيق بالرغم من انّ المساحات متوافرة، وكان بالإمكان إقامة أجمل الحدائق وادامتها لاسيما في المناطق التي تحاذي نهر دجلة، لكن أحوال المناخ تغيرت اليوم والنهر لم يعد كما كان، وبات من الصعوبة الشروع في فتح حدائق جديدة.
المدن في مناخنا الجاف والحار، تحيل حياة الأطفال جحيماً او تدفع بهم الى الأنهار في الصيف لتكون السباحة لهواً لهم، وهروباً من الحر، بصحبة مخاوف جمّة تهدد ارواحهم بالغرق.
المصيبة ليست في التفكير في إقامة حديقة عامة جديدة، وانما في هذا التجاوز الكبير المسكوت عنه في تحويل المساحات الزراعية والمتاحة الى مناطق سكنية او تجارية لتزداد ضخامة الكتل الاسمنتية في مدننا التي تكاد تختنق.
لقد قتلوا ببساطة فكرة الحديقة العامة ومغزاها وديمومتها.
تخطيط المدن مستهدف بالتجاوزات، وبغياب مساحات الترفيه البريء عن ذهن المخططين أصلاً، الا في حدود بسيطة، وتأتي البلديات لتهتم بحديقة تشبه الديكور قريبة من مبنى المحافظة أو القائمقام او بيت مسؤول معين، مع غياب الاهتمام بالحدائق ذات النفع العام التي من المفترض أن تكون رئة لتنفس العوائل ، لاسيما في فصلي الصيف و الربيع ، وليس مكبا للنفايات والمهملات كما الحال الان.
لدينا كوادر زراعية كبيرة من خريجي كليات الزراعة والغابات، يمثلون أكبر نسبة بطالة بين الخريجين، اذ ليسوا في مواقعهم الصحيحة في الزراعة، كما انّ الغابات ليس لها وجود في البيئة العراقية إلا في أماكن نادرة وعصية عن الوصول اليها، لا تحتاج الى رعاية من أحد.
وبعد كل ذلك هناك عنوان سياحي وزاري يخص السياحة وآخر يخص الزراعة وثالث على صلة بتنمية المدن والبيئة، والنتيجة هي زيادة في التصحر الفكري والتنموي قبل تصحر التراب وجفاف المناخ.
مصطلح بلاد النهرين، وحده يحيل الى فكرة ان الوطن حديقة زاهرة، لكنها احلام واستذكارات ليست أكثر