أقبضُ عمري بين يديَّ بحرصٍ كي لا تتسلَّل السنين هباءً، وأهربُ نحو المجهول!
حيثُ أكون هناك وحدي، متجرِّدةً من كلّ ما يحاوطني بقسوةٍ حدَّ الاختناق!
تحاصرني غُربات!
غربة وطنٍ، وروحٍ، وجسدٍ، وكيانٍ، وثقافاتٍ وأفكار!
جميعها تلتفُّ حولي، تُمسِك عنقي، وتطلِق نظراتِ سخريةِ المنتصِر رامِيةً إياي في غياهب الوحدةِ أتخبط بين “من أكون؟” و “ماذا عليّ أن أكون؟”
تحاصرني ذكرياتَ هشَّةٌ تحاول باستمرارٍ أن تثبت لي عكسَ حقيقتها، وعند كل خيبةٍ تنكسِر هشاشتها أكثر، وتُطلُّ من بين القِطعِ المترامية بعضها فوق بعضٍ رائحة الندم على كلِّ حبٍّ صادِقٍ أُهدِر بلا مسؤولية، وعلى كلِّ ثقةٍ مُنِحَت بلا ضمانات فاختفت مُتلاشيةً في طياتِ الخذلان وكأنها لم تكن!
والندم على جعلي مُتاحةً دومًا في حين لم أُمنَح الدقائق المعدودة!
تحاصرني وِحدتي مُعاتِبةً إقحام أحدهم دومًا داخل إطار حياتي رغم يقيني التام أنه لا يستحق!
لكنه الخوف يُقهقِه من بعيدٍ مشيرًا إلى وحدتي بأنها ستبقى ما حييت!
يحاصرني رفضي الالتصاق بأرضٍ لا ترغب بي، دون رغبتي بذلك، لكنها الظروف والأقدار!
أحاول نزع التصاقي لكني أتحول لنتفٍ من أملٍ ذابلٍ يكاد يلفظ أنفاسه!
أقاوم، أتألم، أستمر، أتعب، أبكي، أصرخ، أستسلم
وأسمح لكل شيء أن يتابع عمله، أن يُكمِل حركته ودورانه وسيره، وأرضى بأن أتحول لِمشاهدةٍ بعيدةٍ ملتصِقةٍ بما هي عليه، ودون مقاومةٍ تقبِض على سنين عمرها الباقيةِ حريصةً على أن لا تضيع كسابقاتها.