إيمان إمرأة بصرية، إستشهدَ زوجُها مذبوحًا، بعضُهم يقول بسبب إسمه، و آخرونَ يقولون بسبب كلامه ضد أقطاب الحكم من السادة و الحجَّاج.. تعيشُ إيمان في بستانها الصغير، و معها كلبها الذي رافق عائلتها هو و أسلافه لسابع جدٍّ…
خرجت إيمان ذات مساء مع كلبها (مُخلص)، فوجدت ثعبانًا كبيرًا محجوزًا و مُصابًا بجُرحٍ خطيرٍ تحتَ شجرةٍ كبيرةٍ، يبدو أنَّ الشجرةَ الكبيرةَ سقطت عليه من ريحٍ قويةٍ ضربت البصرة قبل أيامٍ، حاولَت أن تُخرِجَ الثعبانَ الذي ينازع و يلفظ أنفاسه الأخيرة، بالرغم من اعتراض كلبها مخلص و نباحه المستمر، و لكن دون جدوى.. هرعت إيمان إلى غرفة قديمة في دارها لتجلبَ منشارَ الخشبِ، و تبدأ بتقطيع أوصال الشجرة لتُخرجَ الثعبان.. أشرَبَتهُ الماءَ و العصيرَ، و ضمَّدت جِراحَهُ، و ذهبت إلى الطبيب البيطري لتجلبه ليُعاينَ الثعبانَ..
أعطى الطبيبُ وصفاتِهِ من الأدوية و طالبَها بمعاينته لأسبوع، لأنَّ حالته خطيرة و قد لا يعيش..
قضَت إيمان سبعَ ليالٍ لا تنام إلَّا سهوًا و هيَ تُعطي للثعبان الأدويةَ و العصائرَ، و تبدِّل ضماداته، و تسهر تناجي ربَّها بالصلاة ليلًا لينقذ الثعبان. إستفاقَ الثعبانُ الذي سمَّتهُ (رامي) وسط رَفْضِ الكلبِ لوجوده، قالت إيمان لكلبها مخلص: ستحرسنا خارج الدار، و سيسكن الثعبان رامي في غرفتي يحميني من الداخل..
أخذت إيمان تنام على سريرها و بجنبها الثعبان رامي الذي يتحسَّس جسدها من شَعرها إلى رِجلَيها في كلِّ ساعةٍ، و هي تعيشُ لحظات نشوة من ردِّ الثعبان لجميلها بأنه يحاول أن يُعبِّرَ عن حبِّهِ لها..
بعد بضعة أيام إمتنع الثعبانُ عن الطعام، مما دعى إيمان إلى استدعاء الطبيب البيطري لحالته، بعد أن عجزت بكل الوسائل عن إقناعه بالأكل و إطعامه.. فحصَ الطبيبُ الثعبانَ مرَّاتٍ عديدة، و بعد الفحص طلب من إيمان أن يتحدَّثَ إليها خارج الغرفة، و هذا أثارَ إنتباهَ الثعبانِ..
قال الطبيبُ بحزنٍ شديدٍ: إنَّ الثعبانَ سليمٌ و ليسَ فيه أي مرضٍ و لكنه في كلِّ ليلةٍ يَقيسُكِ، و لمَّا وجدَ صعوبةَ إلتهامِكِ قامَ بتجويع نفسه لكي يستطيع إلتهامك. الحمد لله أنكِ إستدعَيتني اليومَ لأنَّ الغدَ كان موعدُ إفتراسكِ.
صُدِمَت إيمان بقول الطبيب وهي تردِّدُ: (أستغفرُ اللهَ ربِّي و أتوبُ إليه، و هل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان؟!، حسبيَ اللهُ مولاي و وكيلي)..
دخلَ الكلبُ بنباحه المُدوِّي مع إيمان المُنتفِضَة على الثعبان الماكر، فلم يجداه لأنه إنسلَّ هاربًا إلى الغرفة القديمة التي تحتوي مواد و عُدَد و أسمدة..
قامَ الثعبانُ بمهاجمةِ المنشار الخشبي الذي كان السبب في إنقاذه لأنه إعتقدَ أنَّ ايمان ستسخدمه في قتله. بدأ الثعبان بالتهام قبضة المنشار الخشبي فانجرحَ بالجزء الحديدي المرتبِط بالقبضة الخشبية فظنَّ مُتوهِّمًا أنَّ المنشارَ يهاجمه، فَلفَّ جسمَهُ بقوة حول المنشار الذي قطَّع أوصالَهُ و هو ينزف بغزارة..
دخلت إيمان و الطبيب و كلبها مخلص إلى الغرفة القديمة و وجدوا الثعبانَ ينزف و لا يقوى على الحركة و عينيه صوبَ إيمان يستعطفها أن تنقذَهُ من المنشار..
كانت إيمان المرأة البصرية الحنون تبكي قائلةً: يا دكتور إنَّ الثعبانَ يطلبُ منِّي أن أُنقِذَهُ و أنه ندمان.
قال الطبيب: أيتها السيدة الطيبة: الثعبانُ خَوَّانٌ..
ليس له أمان، إن استمكنَ تمكَّنَ..
أراد الكلب مخلص أن يهاجمَ الثعبانَ و يأكله ، إلا أنَّ إيمان منعته و قالت: دعه يموت ببطأٍ و سلامٍ. لأنه لم يؤمِن أنَّ في النهاية لن تتحقَّق إلا إرادة الله تعالى…
لنا و لأهلنا في البصرة و العراق
ربٌّ لا تحجب دعواتنا الأطباق و الآفاق..
أ.د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي.