الكاتب منتظر حنون
سؤالٌ يطرحه الكثيرُ ممّن يجهلونَ فنَّ الميديا المتوحشة وفنَّ إدارة الاحتجاجات:
أين اختفت تلك الأصوات التي كانت تطالب بالخدمات وإقالة عبد المهدي؟
لماذا هي خرساء اليوم؟
بل الكثير من المتظاهرين العفويين والحقيقيين يسألون السؤال نفسه: لماذا لا نتظاهر اليوم رغم أن الحكومة الحالية أسوء من سابقتها؟
والجواب واضح كقرص الشمس، فالبدء في أيّ تظاهرة أو احتجاج يحتاج الى شرارة الإندلاع والقدح، وهذه الشرارة هي مجموعة طرق وأذرع وأصوات مسيَّرة لا مخيَّرة، بمعنى أنّ المُحرّكَ والمؤدلج ( جميعهم راضون ) عن الحكومة الحالية، ولهذا فهم لا يُجيّشوا جيوشهم وأدواتهم ومؤسساتهم وملايين الدولارات، ولن يُعطوا ساعةً للصفر من أجل البدء ،، بهاشتاكات هنا وهناك وشعارات معدَّة سلفاً ووسائلهم المدروسة لشدّ وجذب الشباب والمراهقين وحتى الفتية والصبية الى الساحات عبر استمالتهم ،، لاسيما مَن تستهويهم الأضواء والشُّهرة وصناعة المشاهد الفيديوية المماثلة لما صنعه فنّ الفبركة، أو مَن صدّقوا زيف الشعارات البرّاقة للمدنية والحرية والإختلاط والعادات الدخيلة، أو مَن أعجبهم ارتداء ثوب البطولة المزيَّفة وتسويقهم على أنهم أبطال للدفع بهم الى مقصلة الموت والاشتباك.
وبهذا فإنّ الاحتجاجات لم ولن تبدأ في كل البلدان التي شهدتها قبل تشكيل غرف كواليس الإدارة في السفارات والمدن وأجهزة المخابرات، كما أن الخطورة تكمن في أن شعار (نريد وطن) شعار فضفاض غير متناهي، نعم قد يبدأ بالمطالبة برغيف الخبز، ولكن قد لا ينتهي بالمطالبة بكل شيء؛ حتى المُحال، وبإسقاط كل شيء حتى القيم والتجذّر والانتماء، كما أنه شعار ذو عدّة أوجه، منها ما هو مزيَّف كاذب، ومنها ما هو حقيقي، وأهم هذه الأوجه هو إمكانية محاربةدول وخصوم عبر ذريعة الإحتجاجات وكذلك إسقاط الحكومات واستبدالها ، كأيّ نوع من الإنقلابات وأي جيل من أجيال الحروب عبر الفن الجديد القادم من بعيد على جناح الميديا الناعمة المتوحشة (فن أدارة الإحتجاجات)
فأمام أي احتجاج شرارته مؤدلجة؛ سيفقد رجل الأمن سيطرته، وستفقد الدولة هيبتها تباعاً، ومع سقوط دعامة الأمن سيتم تحقيق أهداف منشودة في العمل خارج الوجل من سلطة الأمن، وستقف الحكومة ومؤسسات الدولة والتيارات والهيئات شبه مشلولة أمام ما هو قادم.
ستفعل الميديا ما هو متوقَّع منها في التأثير والإقناع وتغيير السلوك الاجتماعي والسياسي ،، ثم
كلعبة الدومينا تتساقط منظومة القيم والأخلاق والأعراف والخطوط، ويتجرد المجتمع عن هويته.
سيجد المتظاهر الحقيقي نفسه مهمَّشاً بل ربما تتم تصفيته من قبل المُحرِّك المموِّل إذا ما خرج عن إطار وطوع التظاهر المؤدلَج، أو رفع شعارات غير متّفق عليها.
يقول أحد الكُتّاب: (من هنا جاء شعار التغيير بشعار لافت:
الشعب يريد اسقاط النظام.
والشعار يُترجَم من خلال
إسقاط المنظومة الأمنية وسيُسارع المُعدّون للمواجهة
الى الاشتباك مع النظام
من خلال الاشتباك الناعم مع الأمن، وسيتم انهيار
الأيديولوجيات وإحداث الخلل الاجتماعي وتنمية الروح الشوفينية وانقلاب صورة الوقائع والتشكيك بكل شيء)
ختاماً.. الأهداف المنشودة للمُحرِّك المُؤدلج ستتحقق عبر هذا الفن الذي يُشبه فن تحريك الدمى، أما الدمى الصامتة فستُركَن في كواليس المسرح، حتى يبدأ عرض جديد ليتم الاستفادة منها مجدداً دون تحقيق أي فقرة من مطالبها، فليس من حق الدمى أن تتحرك دون عصى التحريك