من المؤكد أن أطرافاً “أخرى” تحاول تفجير الموقف السياسي ودفعه إلى نقطة استحالة التفاهم، وهي حالة لا تنسجم مع العلاقات التي بنيت بين القوى السياسية المعارضة للشمولية قبل عام 2003، ضمن مخطط إقليمي ودولي يريد العراق متزعزعاَ يعوزه استقرار البناء والتقدم لمواصلة حلبه بدعم من الفاسدين وعديمي الكفاءة، وهو المخطط الذي بدأ منذ شن الحرب على إيران، وفقاً لاعتراف متأخر من رئيس النظام المخلوع.
ومن المؤكد أيضاً أن من استهدف اجتماع مجلس النواب الأخير، هو هذا الطرف سواء بوعي منه أو بدون وعي، وليس الصدريون، فالصدريون لا يخشون لومة لائم في أي موقف يتخذونه، وهم طالما جاهروا بمعارضتهم وتصديهم، لكنهم يضعون في حساباتهم الأطراف المتربصة، لذلك وعلى الرغم من تحذيرات، لا بل تهديدات السيد وزير الصدر الشديدة، فأن السيد مقتدى يسعى لتعميق معارضته السلمية، مع الحرص على تجنب إراقة الدماء باهضة الثمن.
وفي خضم انعقاد جلسة مجلس النواب الأربعاء، فأن الشيء الإيجابي الذي سبق هذا الاجتماع، هو طروحات المهندس محمد شياع السوداني، الذي بدا من خلال ظهوره الأول بصفته مرشحاً لرئاسة مجلس الوزراء، قد أحاط بأغلب النقاط الجوهرية التي تقلق المواطن العراقي، وبالطبع ضمنها جماهير التيار الصدري وقيادته المتصدية لإخفاقات الفترة الماضية بكل فسادها وعدم كفاءتها المتجسدة بنهب موارد الدولة باسم الطائفية والمحاصصة. والتحدي الحقيقي لا يكمن في برمجة المشروع الوطني إنما في الإرادة الحازمة لتطبيقه وهو التحدي الكبير الذي واجهه د. حيدر العبادي من قوى عميقة ترفض الإصلاح.
إن السوداني قد ألزم نفسه بمنهج وطني مسؤول في التصدي لكل المهام الأساسية التي تشكل تحدياً حقيقياً للحفاظ على استقرار الدولة العراقية. وألحق منهاجه ببرنامج مقرون بفترات زمنية.
ومن هذا المنطلق فأن معارضة التيار الصدري يمكن لها أن تتجلى بأحسن صورها من خلال تسجيل ملاحظات وتصويبات على منهاج السوداني وبرنامجه. ومثل هذا الطرح الصدري يحقق من جانب تعميق توعية المواطنين بالقضايا الملحة، وحشد الوعي الجماهيري أكثر فأكثر وراء أي تحرك سلمي لاحق للصدريين لتطبيق الإصلاحات على طريق التغيير..وهو توجه قابل للتحقيق بالأخص إذا ما تم تحشيد كل القوى المطالبة بالتغيير في تحالف وطني وفق منهاج عمل قائم على مبدأ المشاركة في القرار والتنفيذ وليس “الألتحاق” والإلحاق، وتجاهل حقيقة أن هذه الأطراف قوى لها خصوصياتها وألتزاماتها الفكرية الخاصة بها، التي لن يكون من مصلحتها دمجها وإلحاقها بأي طرف آخر مهما حسنت نواياه. وللعلم فأن النظام السابق حول جبهة التحالف الوطني إلى مجرد قوى تابعة وليس مشاركة.
إن مطلب نزع السلاح من المدن، وإنهاء أي وجود مسلح خارج إطار القوات المسلحة، وتجنب أية مواجهات غير سلمية، هو موقف يتبناه التيار الصدري، ضمن وعيه لمعطيات تجارب الشعوب، ولهذا فأن الطروحات النقدية الصدرية البناءة هي المسار الأضمن لإدامة زخم المطالبة بالتغيير، من خلال استمرار مساءلة أطراف السلطة عما حققته من وعودها، وكشف سلبياتها. ووفق هذا المبدأ قد تكون طروحات وزير الصدر النقدية جزءاً من إرادة جماهيرية متصاعدة في قوتها ومتسعة في جماهيرها عددياً، لكن المطلوب في الوقت نفسه الدقة في الطرح، كي لا يحاول البعض توظيف “تهديدات” الوزير لتغطية الأطراف التي تحاول خلط الأوراق باللجوء إلى القصف الصاروخي من بعيد لمؤسسات الدولة وخلق الذرائع لكارثة مواجهة قادمة.
وإذا ما كان السوداني يراهن على عقلانية السيد مقتدى في تبني الإيجابيات التي طرحها، وما يشجعه هو تجنب الصدريين جميعاً التعرض الشخصي له لحد الآن، فأنني اعتقد بأنه مطالب بخطوة بناءة تتسم بالجرأة الأدبية، في تسريع كل الاتصالات الأولية للقاء بسماحة السيد والاستماع إلى تصوراته، وفي الوقت نفسه توضيح صريح لحقيقة مواقفه إزاء كل الأخطاء التي هددت سلامة العراق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهو موقف معروف للسوداني من القريبين منه لحد الأن.
إن الأميركان بدأوا علاقاتهم مع الصين، برغم القصف المدفعي الصيني المستمر لأطراف فرموزا، من خلال فريق رياضي، هندسه كيسنجر، وأنا واثق بأن التجربة العراقية المتراكمة يمكن لها اجتراع خطوات جريئة لتخطي الحواجز..ويمكن للنزاهة والإرادة الصادقة، أن تكون الطرف الذي يضيف لعراق الداخل الكثير في خدمة بناء الوطن وتحقيق حياة لائقة لأجيال من العراقيين المعذبين من حملة الشهادات وبدونها في الشوارع يبيعون المياه والشاي والقهوة من أجل توفير لقمة كريمة.