لمن يؤمن بالقران ولمن لا يؤمن به، اقول ان القران الكريم وثيقة مهمة تقدم دليل عمل في التغيير الاجتماعي من خلال كشفه عن قوانين التغيير ومتطلباته وشروطه. وبهذا المعنى ليس من الحكمة تجاهل ما ورد في القران من معارف بهذا الشأن.
من الامور المهمة التي يركز عليها القران الكريم ضرورة وجود جماعة من الناس تأخذ على عاتقها القيام بالتغيير. وهذا ما نصت عليه الاية القرانية التالية: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”. الامة هي الجماعة من الناس الذين التقوا على امر واحد جامع و يمتعون بوعي عميق، ومعرفة وارادة قوية للتغيير. وقد اطلق توينبي على هذه الجماعة اسم “الاقلية المبدعة” فيما تسمى في العلوم الاجتماعية باسم “النخبة” او “الصفوة”. في حالتنا حيث يعاني مجتمعنا من الانسداد الحضاري والتخلف، يجب ان تكون هذه الامة “حضارية”، بمعنى انها تجسد منظومة قيم حضارية عليا تفعل المركب الحضاري بشكل يجعلها قادرة على فك الانسداد الحضاري واطلاق طاقات المجتمع في بناء حياة سعيدة تنعم بالرخاء والرفاهية والوحدة والسلام.
فاذا ما توفرت هذه الجماعة، او النخبة الحضارية، فانها سوف تنتقل الى المرحلة الثانية من عملها التغييري وهو تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع، اي تغيير افكاره وتصوراته، على اساس منظومة القيم الحضارية العليا التي تم تبنيها من قبل النخبة الحضارية. وهذا ما يشير اليه القران في القانون الثاني للتغيير وهو: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”. وهذا يستلزم عملا ثقافيا وتربويا لا لتغيير الافراد فردا فردا، وانما لتغيير النفسية العامة للمجتمع، من خلال الوسائل المتوفرة في المجتمع.
يشير القانون الثاني الى ان تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع، اي “ما بانفسهم” سيكون هو القاعدة التحتية التي يتم بالاستناد اليها تغيير البنى الفوقية للمجتمع وبخاصة النظام السياسي، نظام الحكم والادارة، اي “ما بقوم”. وتغيير النظام السياسي وجهاز الحكم ممكن بوسائل شتى، منها الاليات الديمقراطية، اذا كان المجتمع قد وصل الى هذه الدرجة.
وفي حالتنا العراقية، وبرغم الانسداد الحضاري والانحراف الديموقراطي، فان سقوط النظام الفردي الدكتاتوري، وضع بيد المجتمع العديد من الاليات الديمقراطية التي تمكنه او تساعده على احداث التغيير الجزئي او الكلي للنظام السياسي وجهاز الحكم. وهنا يتعين على النخبة الحضارية ان تبذل اقصى جهد من اجل ان تؤدي الاليات الديمقراطية وفي مقدمتها الانتخابات الى احداث التغيير المنشود. وهذا يتطلب من النخبة الحضارية ان تنفتح على الجمهور وخاصة جمهور الناخبين من اجل كسب اصواتهم على اساس تغيير المحتوى الداخلي، اي كسبهم الى صف القيم الحضارية العليا التي تمكنهم من ممارسة حقهم بالتصويت بصورة سليمة.
سيكون وصول النخبة الحضارية الى الحكم والامساك بازمته عبر الاليات الديمقراطية حقا مشروعا لها تمارسه وفق الدستور والقانون، ولا ينبغي الاصغاء للتخوفات المسبقة التي يرددها بعض الناس بسبب الخوف او الجهل او اليأس. ويتعين على النخبة الحضارية وهي تخوض المعركة السياسية ضد التخلف ان تفعل كل ما بوسعها من اجل ضمان الحد الادنى من نزاهة الانتخابات وشفافيتها والحد من فرص التزوير والتلاعب. وقبل هذا يتعين عليها ان تخوض الانتخابات وفق خطة محكمة دقيقة علمية تضمن عدم ضياع اصوات انصارها.
قد يتطلب الامر اكثر من دورة انتخابية. لا مشكلة في ذلك خاصة اذا تمكنت النخبة الحضارية من مراكمة فوزها عبر توالي الدورات الانتخابية والتغيير التدريجي لتوجهات المجتمع وتركيبة السلطة.
هذا رأي في التغيير. وهو مطروح للنقاش.