لو نظرنا الى التكنولوجيا العسكرية، لوجدنا انّ الصاروخ الذي تطلقه الطائرة الإسرائيلية يمتلك مواصفات دقة عالية ومجربة في كثير من بقاع العالم، وهذا الصاروخ معزز بخدمة توجيه راداري، وقبله خدمة استطلاع مختلفة الأساليب الاستخبارية في تحديد الهدف وجميع احتمالات اصابته، ورأينا مرارا كيف انّ القصف الإسرائيلي كان يستهدف سيارة فيها شخصية واحدة، تكون في حالة وقوف أو منطلقة في اية سرعة. هذه ليست دعاية للسلاح الإسرائيلي، وانما توصيف لماهية الأسلحة المستخدمة وما يترتب عليها من حقائق واكاذيب عند الاستخدام.
أمّا تكنولوجيا سلاح المقاومة الفلسطينية فقد تقدمت بمراحل عن عمليات التصنيع البدائية قبل خمسة عشر عاما من حيث المدى ودقة التصويب، لكن ذلك كله لايزال يعتمد الإمكانات التصنيعية والتجميعية المحلية البسيطة، ولا يمكن مقارنته بالمواصفات العالمية او الإسرائيلية بالرغم من تأثيره في حال إصابة الأهداف.
أخلص من ذلك، الى انّ لا عذرَ لإسرائيل، مهما كانت الظروف، في ارتكاب مجازر في استهداف الأطفال والنساء وعموم المدنيين وهي تعرف أماكن تجمعاتهم التي باتت قليلة الخيارات، فهم يفرون كل ليلة من موت الى موت، مادامت الصواريخ الإسرائيلية معبأة بخرائط عمياء وعشوائية، هدفها تجريد الأرض من سكانها وهدم كل بناء، من دون مراعاة لأبسط الشروط الإنسانية التي كانت الدول المتحاربة في العالم عبر التاريخ تراعيها مهما كان القتال ضارياً.
ليس الوقوف هنا في مسألة قصف مستشفى المعمداني التي حولوها الى مسألة وجهات نظر حول ذبح خمسمائة انسان مدني، ولكن في القصف الذي سبقه وكان حصيلته قبل المجزرة الأخيرة قتل سبعمائة وخمسين طفلا فلسطينيا. والأكثر قهراً وايلاماً هو اعداد الأطفال اليتامى الذين نجوا من النيران لكن عوائلهم أبيدت بالكامل، الاب والام والعمة والعم والخال والخالة، هؤلاء الأطفال الفلسطينيون من ذوي الثلاثة أعوام الى سن الثالثة عشرة، لن يكونوا بعد سنوات قليلة جيلاً حاملاً لرايات التطبيع والسلام مع إسرائيل، ولن تنفع معهم جميع مغريات الدنيا وقنوات إعلام غسل الأدمغة الممولة عربياً واسلامياً قبل تل ابيب، في جعلهم ينسون كيف تناثرت أجساد آبائهم وامهاتهم وإخوانهم أمام عيونهم، وباتوا يعيشون اليتم، والتشرد، والفاقة، والعوز. وبذلك اصبحت إسرائيل عاملا حاسما في ولادة جيل لا يؤمن إلا بمقاتلتها وليس السير في طريق مسالمتها، لأنّ فرصة الأمن والسلام لم تمنح لأمهات وآباء هذا الجيل، الذين أبيدوا بدم بارد.
نتاج المجازر اليوم وقود لحروب مقبلة.