إن رحلتنا في هذه الحياة رحلة منفردة ، مليئة بالتقلبات و المتناقضات المتكاملة ، فلا معنى لشئ دون وجود نقيضه ، فهي في ديمومة و حركة مستمرة دون توقف ، و الإنسان في تقلب بين العسر و اليسر و بين النعم و البلاء ، و الظروف تأتي حسب طاقة هذا الإنسان و قدراته ، فلا يحمله الله تعالى أي طاقة فوق طاقته , فلا يستمر على وتيرة واحدة أو على حال واحد
إن رحلتنا في هذه الحياة هي كلها مفاجآت ، و كل يوم نفاجأ بما تحمله لنا الاقدار من أفراح و اتراح ، و نعيش في بوثقة الوجود التي لا تنتهي ، و في أحداث لا يكاد يستوعبها العقل الواعي للإنسان ، بل قد ترفضها النفس الآدمية ، و تضجر من وطأة هذه التحديات ، و عندما نقف بين يدي اي موقف من المواقف الصعبة نشعر بخوار القوى و العجز الفعلي أمام هذا الموقف دون التفاعل مع احداثه ، و لكننا عندما نتريث و نتصالح مع ذواتنا ندرك اننا لسنا عاجزين عن الدور الإنساني الذي يتحتم على كل إنسان حر ، فيقف فيه موقف المكافح المنافح عن كينونته و وجوده ، فيستعين بالدعاء و التوجه إلى الله تعالى الذي هو المعجزة التي تستطيع أن تقهر الأعداء الذاتيين و المعنويين و تُطيح بهم و تخضع اعناقهم للإرادة الإنسانية القوية .
إن رحلتنا في هذه الحياة ، هي معين التلاحم بين العوالم المرئية و اللامرئية ، ففي مثل هذه الأزمات تتوحد الأهداف ، و تتلاحم الجهود المبذولة و تتضح معالم التخطيط الاستراتيجي المحكم سواء على المستوى الذاتي أو المستوى الجمعي ، مما يؤدي إلى زيادة الطاقة الفاعلة ، فيتخاذل العدو ، و يحوم حول نفسه خائرا دون إدراك لما حدث و يحدث .
في رحلتنا في هذه الحياة يبقى الصراع بين الحق و الباطل حقيقة أزلية دائمة كي تستمر عجلة الوجود ، فيظهر الحق و يزهق الباطل ، فمهما استفاض الباطل و بسط نفوذه فإنه يبقى هزيلاً مُهاناً أمام هيبة الحق ، و حتماً ينتصر الحق و يعلو و ترتفع رايته ، فالحق يعلو و لا يعلى عليه ، لكنه يستلزم المواجهة التي لا يمكن نواله إلا بها ، فالحق يؤخذ و لا يعطى .
في رحلتنا في هذه الحياة ، تبقى الكينونة الوجودية للإنسان تعبير مرئي ملموس عما يحنط الجسد و الروح و النفس التي تسعى للإحساس بالحياة الصحيحة ، و بحقيقة وجودها بين العوالم الأخرى التي تتشابه مع هذا العالم المرئي ، غير أن الإنسان قد يغفل عن جوهر الوجود في خضم الأحداث المتوالية حوله ، مما يجعله يهتم بالمظاهر ، و بذلك فقد غابت عنه سبل التعامل الإنساني الحقيقي الصحيح ، فقد أهلكت الأجسام الإنسانية بعوامل التطبع اللاأخلاقي ، و عدم التلاحم مع الطبيعة البشرية و البيئة المحيطة به ، فكان للنفس نصيب من العقد و الانفلاتات النفسية بمختلف المستويات و الدرجات ، غير أن المهم في كل هذا هو الثبات و التواصل البناء في زرع روح الإنسانية المتجددة ، و تقبل التعامل بالحكمة و الرحمة كأسلوب المعاملة الإنسانية و الدبلوماسية البشرية ، فقد نتدرج في قول الحق لكن لم و لن نتفوه أو نتعامل بباطل .