في أوج المعركة أمرهم بوقف إطلاق الرصاص باتجاه العدو ورفع راية بيضاء كبيرة معلنا استسلامه وهو على مشارف نصر بإحساس استشعره الأعداء قبل جنوده مما سبب إرباكا وحيرة لكلا الطرفين المتحاربين إذ لم يصدق عدوه استسلامه وظن إنها أحدى خدع الحرب التي تعود ممارستها وظن جنوده إن هناك شيئا غريبا يدور في عقله لذا عليهم الانتظار لحين انجلاء الغبرة .
. سار تحت راية استسلامه خطوات واثقة بجسم لم تنل منه جراحات الأعداء ورصاص الحروب ولم تحني شموخه المحن لكن بقلب ينزف دما وصديدا من قدر لا يعرفه الآخرون وتمنى هو لو أن له القدرة على نزع قلبه من بين أحشائه وسحقه أمام الجميع تحت (بسطال ) خدمته الثقيل لكنها أمنية مستحيلة .
. توجس قائد الجيش الآخر خيفة وآمر جنوده بالحذر الزائد وترك الأصابع على الزناد تحسبا لطارئ تخفيه راية الاستسلام تحت ظلالها وتأمل خطواته فرأى ثبات عرفه وثقة لا تزحزحها ملمات وقدرة رهيبة على مواجهة أمرا أصعب من الموت على حامل الراية واعتبر الأمر فوق المعقول لكنه قرر الانتظار والمراقبة حتى النهاية ولتسجل هذه الصفحة من الحروب حادثة نادرة تتمثل بقائد في وسط انتصاره وظهور الهزيمة على أعدائه يسعى لاستسلام مشين قد يدمر كل تاريخه المزدان بالأوسمة والنياشين والانتصارات .
. في خطواته التي كانت كل واحدة منها تمثل كارثة ترسم نهاية غير متوقعة لجبل من الثبات لم يهزه (تسونا مي ) مهما عتى كان يفكر بين الأمس القريب ويوم استسلامه هذا ويقارن أيهما أهون عليه خداع نفسه أو مواجهة قدر لم يكن بالحسبان وكانت أمنيته الوحيدة لو انه تضرج بدم جسده بدلا من دم قلبه في ساعة حرجة من تاريخه لكنها أصبحت فرصة مستحيلة فقرر أن يحمل ذله وخسرانه تحت راية ضياع بدلا من رايات زهت به وشمخ بها ذات زمن فجاءت خطواته واثقة نحو نهاية لا تليق به لكنها حتمية وعليه الاقتناع بمصير لم يعرفه ذات عمر .
. اقترب كثيرا وبدت ملامحه واضحة , تفرس بها خصمه فرأى إنها تنم عن ثبات وتصميم واشراقة وجه وتحدي لخصم لا يحارب بالرصاص وقرر أن يستقبله بما يستحق من تقدير ويقابل رغبته المبهمة باحترام يليق برجل حفر طريقه وسلكه منفردا .
. دنا من مواجهة قدره كثيرا وسط صمت المعسكرين وترقبهم المثير لما ستكشف عنه اللحظات القادمة والتي ستكون فاصلا لحياة عاشها وحياة سيعيشها رجل مختلف وكان الخصم ينظر له وهو منزوع السلاح إلا من هيبته وقدرته على إخفاء جراحاته رغم الأسى الظاهر في عينيه واستعد لاستقباله بما يليق به من احترام .
. أصبح بإزاء خصمه وتقابل وجها الرجلين منتصر رسم هزيمته ومهزوم رسم له نصره فأدى الخصم التحية ومراسم الاحترام والتبجيل وسط صمت ساد المكان ووجوم خيم على النفوس كأن كارثة كبرى حلت بالجميع أو أن نذر الشؤم تعالت في سماء المكان .
.تخلى عن الراية وتحلل من عدة حربه وتصرف كأسير في حضرة آسريه ورفض كل مظاهر الاحتفاء به وضيافتهم واكتفى بإشعال سيجارته ووضع نفسه تحت تصرفهم ليس كمستسلم أو أسير حرب وإنما كمرتكب خطيئة عقابها إنهاء حياته .
. استغرب خصمه من صرامته ووضوح طلبه ووجه له عدة أسئلة :
. كانت لك انتصارات حفظها التاريخ ؟
. زمن مضى
. معسكرك صامدا ولم تظهر بوادر تقهقر عليه ؟
. الحرب خدعة
. كدت تحقق نصرا قريبا وكنا على وشك الاستسلام لماذا بادلتنا المواقع ؟
. أحارب وخلفي وطن عشقته حد الوله ووضعت حياتي رهن إشارته وكنت على استعداد لبذلها رخيصة في حبه لكن هذا الوطن تنكر لي وغدر وهو يبتسم وأرسل لكم إشارات غزله ودعواته باحتلالكم له .
. كان الأجدر أن تواجهه بغدره وتعلن حربك عليه ؟
. لست غادرا مثله أو نذلا مثلك .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *