واهِمٌ مَن يظُنُّ أنَّ غَزوَ العِراقِ عامَ ( 2003 ) الأميرِكيِّ بـمَعونَةِ حُلَفائِـهـا كان بـسَبَبِ أسلِحَةِ ٱلدَّمارِ ٱلشَّامِلِ، ٱلَّتي ثَبَتَ للـجَميعِ ٱنعِدامُ وُجُودِهـا، إذ أنَّ قَرارَ غَزوِ العِراقِ وٱحتِلالِـهِ كان مَقضيًّـا مُنذُ زَمَنٍ، ٱنطِلاقًـا مِن المَفاهِيمِ العَقائِديَّةِ لأصحابِ قَرارِ الحَربِ في أميركا، لـكَونِ العِراقِ مَوطِنَ البَشَريَّةِ الأُولى، وكَونِـهِ بِلادَ ما بَينَ ٱلنَّهرَينِ – دِجلَةَ والفُراتَ – والجَنَّةَ على الأرضِ ٱلَّتي كانـت مَهبِطَ آدَمَ (عليـهِ ٱلسَّلامُ)، وأنَّ نِهايَةَ البَشَريَّةِ سـتَكُونُ على أرضِـهِ أيضًـا، ما بَينَ القُدسِ وبَابِلَ حَيثُ طَالُوتَ وجَالُوتَ ..
في ظِلِّ القُطبِ الأوحَدِ بَعدَ تَفَتُّتِ الاتِّحادِ ٱلسُّوفِيِتِيِّ وغِيابِ قُطبٍ رادِعٍ، ٱعتَمَدَت أميرِكا القُوَّةَ سَبيلًا لإعادَةِ تَرتِيبِ أوضاعِ المِنطَقَةِ وكانـت البِدايَةَ بـمَشرُوعِ( ٱلشَّرقِ الأوسَطِ الجَديدِ) ٱلَّذي رَعَـتـهُ أُستاذَةُ العُلُومِ ٱلسِّياسِيَّةِ ووَزِيرَةُ الخارِجِيَّةِ الأميرِكيَّةِ آنَـذاكَ (كونداليزا رايس) ، بـتَغيِيرِ الأنظِمَةِ ٱلسِّياسِيَّةِ في المِنطَقَةِ، ٱعتِمادًا على المالِ الخَلِيجِيِّ وٱلثَّوراتِ والانتِفاضـاتِ ٱلشَّعبِيَّةِ ٱلَّتي ٱنطَلَقَـت بـسَبَبِ ٱستِبدادِ ٱلسُّلطـاتِ، وشَحِّ الخَدمـاتِ، وتَفَشِّي البطالَةِ، وتَدَهوُرِ الأوضاعِ الاقتِصادِيَّةِ لـشُعُوبِ ٱلدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ جُلِّـهـا، وهُوَ ما أطلَقَ عليـهِ الأميرِكانُ تَسمِيَةَ (الفَوضى الخَلَّاقَةِ) ٱلَّتي بَدَؤُوهـا مِن تُونِسَ وأَنهَـوهـا في بَغدادَ مَعَ ما رافَقَـهـا مِن أعمالِ عُنفٍ وشَغبٍ وحُرُوبٍ أهلِيَّةٍ في عَديدٍ مِن البُلدانِ سَواءٍ في العِراقِ أو سُوريا ولِيبيا واليَمَنِ، وجَنَّدوا لـهـا المَجمُوعـاتِ الإرهابِيَّةَ مِن المُسلِمـيـنَ – في زَعمِـهـم – المُتَطَرِّفـيـنَ لـتُساهِمَ في تَنفيذِ المَشرُوعِ الأميرِكيِّ ٱلَّذي كَوَّنـوهُ مِن ثَلاثَةِ مُستَوَياتٍ:
المُستَوَى الأوَّلُ: هُوَ المُستَوَى ٱلسِّياسيُّ ٱلَّذي كان يَهدِفُ إلى ٱلسَّيطَرَةِ على القَرارِ ٱلسِّياسيِّ لـتُحكَمَ نَتِيجَةً لـهُ ٱلسَّيطَرَةُ على المِنطَقَةِ بِدءًا مِن العِراقِ وُصُولًا إلى دُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ أُخرى مِثلِ سُوريا ولِيبيا واليَمَنِ ولـكُلٍّ وَضَعـوا أسبابًـا ومُبَرِّراتٍ خاصَّةً.
المُستَوَى ٱلثَّاني: هُوَ المُستَوَى الاقتِصادِيُّ ٱلَّذي يَهدِفُ إلى ٱلسَّيطَرَةِ على مَصادِرِ ٱلطَّاقَةِ حَصرِيًّـا وحِكرًا لـصالِحِ أميرِكا ٱلَّتي – مَعَ أنَّـهـا لا تُشَكِّلُ سِوى ( 5% ) مِن مَجمُوعِ سُكَّانِ العالَمِ – تَستَهلِكُ أكثَرَ مِن ( 25% ) مِن مَصادِرِ ٱلطَّاقَةِ ٱلَّتي يَأتي مُعظَمُـهـا مِن دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ ٱلَّذي يَملِكُ – بـتَأكيدِ ٱلتَّقديراتِ – الخَزِينَ الأكبَرَ مِن ٱحتِياطِيِّ ٱلنِّفطِ في العالَمِ، إذ يَملِكُ العِراقُ ما يُقارِبُ مِن ( 10% ) مِن الاحتِياطِيِّ العالَمِيِّ، وتَملِكُ مِنطَقَةُ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ أكثَرَ مِن ( 25% ) مِن الاحتِياطِيِّ العالَمِيِّ، فَضلًا عن أنَّ تَقديراتَ مُنَظَّمَةِ (.O. P. E. C) وخَبيري ٱلطَّاقَةِ تُشيرُ إلى أنَّ العِراقَ سـيَستَمِرُّ بـإنتاجِ ٱلنِّفطِ لأكثَرَ مِن ( 450 ) سَنَةٍ، تَلِيـهِ ٱلسُّعُودِيَّةُ لـمُدَّةِ ( 250 ) سَنَةٍ، ثُمَّ إيرانُ لـمُدَّةِ ( 125 ) سَنَةٍ والكُوَيتُ لـمُدَّةِ ( 50 ) سَنَةٍ، مـمَّـا يَعنِي أنَّ العِراقَ سـيَستَمِرُّ وَحيدًا بـإنتاجِ ٱلنِّفطِ في العالَمِ لـمُدَّةِ ( 200 ) سَنَةٍ.
ومَعَ أنَّ كَثيرًا مِن ٱلسَّاسةِ والاقتِصادِيِّـيـنَ العِراقِيِّـيـنَ لا يَملِكـونَ تَصَوُّرًا واضِحًـا عن ٱلطَّاقَةِ وشُؤُونِـهـا إلَّا أنَّـهـم يَقُولـونَ أنَّ زَمَنَ ٱلنِّفطِ قد مضى أو سـيَنتَهِي في غُضُونِ عَشرَةِ سَنَواتٍ في ظِلِّ تَبَنِّي مَشرُوعِ ٱلطَّاقَةِ ٱلنَّظيفَةِ ومِن مراحِلِـهـا إنتاجُ ٱلسَّيَّاراتِ الكَهرَبائِيَّةِ في غالِبِ دُوَلِ أُوروبَّا وأجزاءٍ واسِعَةٍ مِن أميرِكا وٱلصِّينِ واليابانِ، لكـنَّ الحَقيقَةَ هِيَ أنَّ ٱعتِمادَ ٱلنِّفطِ سـيَستَمِرُّ لـقُرُونٍ قادِمَةٍ، ليسَ بـعَدِّهِ مَصدَرًا للـطَّاقَةِ فـقَطُّ، بل وتَحسينِ مُخرَجاتِـهِ وجَعلِـهـا مُلائِمَةً للـبِيئَةِ ومُتَطَلَّباتِـهـا ومُشتَرَطاتِـهـا، لا سِيَما في البُلدانِ ٱلنَّامِيَةِ؛ فَضلًا عن أنَّ ٱلنِّفطَ مادَّةٌ أساسِيَّةٌ في عَديدٍ مِن ٱلصِّناعـاتِ ومنـهـا ٱلصِّناعـاتُ البِتروكيميائِيَّةُ.
كـذلكَ سـيَكُونُ الغازُ أحَدَ المَصادِرِ ٱلرَّئيسَةِ للـطَّاقَةِ ولـمُدَّةِ خَمسَةِ قُرُونٍ، وإنَّ جُزءًا عَظيمًـا مـمَّـا جَرَى في سُوريا يَعُودُ سَبَبُـهُ إلى خُطُوطِ الغازِ ٱلَّتي تَمُرٌّ عَبرَهُ، فـالأُوروبِّيُّـونَ يُرِيدونَ مَصدَرًا آخَرَ لـوارِداتِ الغاز، لـيَكُونَ بَدِيلًا عن الغازِ ٱلرُّوسيِّ ٱلَّذي يُحاوِلُ ٱبتِزازَهـم بَينَ الفَينَةِ والأُخرَى؛ فـكانـت قَطَرُ سَبَّاقَةً لـمَدِّ أُنبُوبِ غازٍ عِملاقٍ عَبرَ ٱلسُّعُودِيَّةِ إلى سُوريا ثُمَّ أُوروبَّا، لكـنَّ ٱلدُّبَّ ٱلرُّوسيَّ تَدَخَّلَ وٱستَخدَمَ “حَقَّ ٱلنَّقضِ” لـهذا المَشرُوعِ وما حَدَثَ في سُوريا بَعدَهـا هُوَ أحَدُ إفرازاتِ هذا ٱلصِّراعِ.
وكان تَغيِيرُ ٱلنِّظامِ في سُوريا هَدَفًـا مِن أهدافِ الوُلايـاتِ المُتَّحِدَةِ الأميرِكيَّةِ وإسرائِيلَ، فـعَمِدَت – بـإعانَةِ أُوروبَّا – إلى دَفعِ دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ لـتَحرِيكِ ٱلشَّارِعِ ٱلسُّوريِّ وإحداثِ الفِتنَةِ ٱلطَّائِفِيَّةِ فـنَشَأَت – بَينَ لَيلَةٍ وضُحاهـا – الفَصائِلُ المُسَلَّحَةِ مِن جُندِ ٱلشَّامِ، وجَيشِ ٱلنُّصرَةِ، وجَيشِ المُجاهِديـنَ، وأحرارِ ٱلشَّامِ، وتَمَلَّكـوا القُدرَةَ على تَغيِيرِ المَشهَدِ ٱلسِّياسيِّ والعَسكَريِّ في المِنطَقَةِ لولا تَدَخُّلِ إيرانِ ورُوسيا المُباشِرِ ومَعَ ذلكَ ساهَمَ ٱلتَّدَخُّلُ الخَلِيجِيُّ وٱلتٌّركيُّ في ٱستِمرارِ الفِتنَةِ ٱلطَّائِفِيَّةِ في سُوريا لـفَترَةٍ طَويلَةٍ، وإن كانـت الأوضاعُ قد حُسِمَـت بـحالٍ أو بـآخَرَ لـصالِحِ رُوسيا وسُوريا وإن بَقِيَـت بَعضُ الفَصائِلِ المُسَلَّحَةِ مُتَمَتِّعَةً بـالحِمايَةِ الخَلِيجِيَّةِ وٱلتُّركِيَّةِ…
لم يَكُن ٱلصِّراعُ في اليَمَنِ بـسَبَبِ سَيطَرَةِ الحُوثِيِّـيـنَ على ٱلسُّلطَةِ لأنَّـهـم كانـوا طَرَفًـا في القَرارِ ٱلسِّياسيِّ اليَمَنِيِّ، بل لأنَّ اليَمَنَ أصبَحَـت مُهِمَّةً لـسَبَبَينِ، الأوَّلُ مَوقِعُـهـا على مَضِيقِِ بَابِ المَندِبِ ٱلَّذي يَمُرُّ عَبرَهُ يَومِيًّـا ما بَينَ ثَلاثَةِ إلى أربَعَةِ مَلايِينَ بِرميلِ نِفطٍ يَومِيًّـا إلى جانِبِ وُجُودِ خَزينٍ كَبيرٍ مِن ٱلنِّفطِ والغازِ في مَناطِقِ شبوة ومأرِبٍ والجوفِ، فَضلًا عن أهَمِّيَّةِ المَوانِئِ اليَمَنِيَّةِ لا سِيَما مِينائَي عَدَنٍ والحديدة وأنَّ سَيطَرَةِ الإماراتِ على تِلكَ المَوانِئِ كان يَتَطَلَّبُ إسقاطَ المُعارَضَةِ اليَمَنِيَّةِ ٱلَّتي تَقِفُ ضِدَّ ٱلتَّواجُدِ ٱلسُّعُودِيِّ، والحُصُولِ على ٱمتِيازاتٍ نِفطِيَّةٍ كَبيرَةٍ،، وكـذلكَ ضِدَّ ٱلتَّمَدُّدِ الإماراتيِّ للـسَّيطَرَةِ على المَوانِئِ اليَمَنِيَّةِ لا سِيَما بَعدَ أن عَمِدَ الإماراتيُّـون إلى ٱلسَّيطَرَةِ على مَوانِئِ ٱلشَّرقِ الأوسَطِ الجَديدِ بـدَعمٍ أميرِكيٍّ وإسرائيلِيٍّ ٱبتِداءً مِن الفاوِ ومُرورًا بـمَوانِئِ جيبوتي ٱلَّتي عَقَدوا مَعَ حُكُومَتِـهـا ٱتِّفاقًـا لاستِثمارِ مِيناءِ دورليه لـمُدَّةِ ( 50 ) سَنَةٍ وأنشَؤُوا قاعِدَةً عَسكَرِيَّةً فيـهِ؛ لكن – بـسَبَبِ عَدَمِ تَفعيلِ الاتِّفاقِ – ٱضطَرَّت جيبوتي لإلغاءِ العَقدِ وتَحويلِـهِ إلى ٱلصِّينِ. كـذلكَ ٱستَغَلَّـت الإماراتُ مِيناءَ عصب في أرِتيريا لـمُدَّةِ ( 30 ) سَنَةٍ، وأنشَأَت إلى جانِبِـهِ مَطارًا ٱستُخدِمَ لـضَربِ اليَمَنِ بـٱلطَّائِراتِ ولـذاكَ كـذاكَ ٱستَخدَمَـت المِيناءَ قاعِدَةً عَسكَرِيَّةً.
وعَقَدَت الإماراتُ اتِّفاقًـا مَعَ إقليمِ أرضِ ٱلصُّومالِ بـقيمَةِ ( 750 ) مِليونِ دُولارٍ مُقابِلَ ٱستِثمارِ مِينائَي بربرة و بوصاصو وهُوَ الاتِّفاقُ ٱلَّذي لم يُفَعَّل أيضًا، فـالإماراتُ كانـت تَسعَى أن يَكُونَ مِيناءُ( جبل عليٍّ) المِيناءَ ٱلرَّئِيسَ ومَركَزَ تَوزيعِ خَدمـاتِ ٱلشَّحنِ وحَرَكَةِ المِلاحَةِ بَينَ الموانِئِ التي تعاقدت عليها الإمارات والتي بلغت ال٧٧ ميناء. وتَعاقَدَت الإماراتُ مَعَ ٱلسُّودانَ لاستِثمارِ (ميناء بورتو) ، لكـنَّـهـا في المُقابِلِ فَشَلَـت في الحُصُولِ على ٱمتيازاتٍ في ( مِيناءِ جوادر) في باكِستانَ بـسَبَبِ تَوَجُّهِ باكِستانُ نَحوَ ٱلصِّينِ،، كـذلكَ تَعاقَدَت مَعَ الحُكُومَةِ العِراقِيَّةِ لاستِثمارِ (مِيناءِ الفاوِ) في عَقدٍ كان مَثارًا للـشُّبهـاتِ.
تَكمُنُ المُشكِلَةُ ٱلرَّئيسَةُ ٱلَّتي تُواجِهُـهـا المِنطَقَةُ في الحَربِ ٱلشَّرِسَةِ ٱلَّتي تَدورُ حَولَ الغازِ والمَوانِئِ سَعيًـا للـحُصُولِ على أكبَرِ قَدرٍ مِن الفَوائِدِ والمَنافِعِ مِن مُبادَرَةِ الحِزامِ وطَريقِ الحَريرِ ٱلَّتي تَبَنَّـتـهـا ٱلصِّينُ وأطلَقَـهـا ٱلرَّئيسُ ٱلصِّينِيُّ عامَ ( 2013 ) وبَدَأ العَمَلُ بـهـا وشَمَلَـت دُوَلًا عِدَّةً في المِنطَقَةِ، لكـنَّ تَلَكُّؤَ الحُكُومَةِ العِراقِيَّةِ والافتِقارَ إلى ٱستراتِيجِيَّةِ عَمَلٍ واضِحَةٍ وٱنعِدامِ ٱلنِّيَّةِ ٱلصَّادِقَةِ لإنشاءِ الأرصِفَةِ وتَطويرِهـا وتَوسيعِ مِيناءِ الفاوِ الكَبيرِ والفَسادِ ٱلَّذي شابَ الاتِّفاقِيَّةَ أدَّى إلى عَدَمِ ٱستِفادَةِ العِراقِ منـهـا.
على الجانِبِ الآخَرِ، فـإنَّ الاتِّفاقَ مَعَ ٱلصِّينِ كان يَقضِي بـمُقايَضَةِ الإعمارِ بـٱلنِّفطِ العِراقِيِّ؛ حَيثُ يُصَدِّرُ العِراقُ مِئَةَ ألفِ بِرميلِ نِفطٍ يَومِيًّـا إلى ٱلصِّينِ وبـسِعرِ ٱلسُّوقِ، أي ما يَقرُبُ مِن مِليارَي دُولارٍ سَنَوِيًّـا، وهُوَ مَبلَغٌ لا يَكفِي لـتَحقيقِ ٱستِثماراتٍ حَقيقِيَّةٍ حتَّى وإن زادَهُ الجانِبُ ٱلصِّينِيُّ إلى عَشرِ مِلياراتٍ، إذ تَبقَى حُدُودُهُ ومَجالاتُـهُ دُونَ ٱلطُّموحِ. ولـتَلافي هذه الإشكالِيَّةِ كان على الحُكُومَةِ العِراقِيَّةِ ٱلتَّوَجُّهَ نَحوَ الاستِثمارِ مَعَ ٱلصِّينِ بـأحَدِ الخِيارَينِ: الأوَّلُ خِيارُ المُساطَحَةِ، وذلكَ بـأن تَقومَ ٱلشَّرِكـاتُ ٱلصِّينِيَّةُ بـإنشاءِ البُنى ٱلتَّحتِيَّةِ والمَصانِعِ والمَعامِلِ وخُطُوطِ ٱلنَّقلِ البَرِّيَّةِ والبَحرِيَّةِ على أن تُصبِحَ مُلكًـا للـحُكُومَةِ العِراقِيَّةِ بَعدَ عَشرَةِ سَنَواتٍ مِن العَمَلِ. أمَّا الخِيارُ ٱلثَّاني فـهُوَ ٱلشَّراكَةُ بَينَ الحُكُومَةِ العِراقِيَّةِ وٱلشَّرِكـاتِ ٱلصِّينِيَّةِ إلى أمَدٍ مُحَدَّدٍ على أن تَقومَ ٱلشَّرِكـاتُ ٱلصِّينِيَّةُ بـإنشاءِ البُنى ٱلتَّحتِيَّةِ وتَكُونَ حِصَّةُ العِراقِ ( 51% ) وٱلشَّرِكـاتِ ٱلصِّينِيَّةِ ( 49% ) وعَبرَ أسهُمٍ مُمَوَّلَةً مِن ٱلشَّرِكـاتِ ٱلصِّينِيَّةِ ويَكُونُ بـإمكانِ العِراقِيِّـيـنَ الاستِثمارُ بـهذه الأسهُمِ، لكـنَّ الحُكُومَةَ العِراقِيَّةَ لم تَتَوَجَّه لأيٍّ مِن هذَينِ الخِيارَينِ لـعَدَمِ جِدِّيَّتِـهـا مِن جِهَةٍ ولـتَأثيرِ الحُكُومَةِ الأميرِكِيَّةِ ٱلَّتي لا تَرغَبُ في أيِّ تَواجُدٍ صِينِيٍّ أو أُوروبِّيٍّ في العِراقِ لا سِيَما وأنَّـهـا ساهَمَـت في إفشالِ ٱتِّفاقِ العِراقِ مَعَ شَرِكَةِ سيمنس، إذ أنَّ ما يُحرَقُ مِن الغازِ هُوَ بـحُدُودِ ( 15 ) مِليارِ دُولارٍ سَنَوِيًّـا في الوَقتِ ٱلَّذي يَحتاجُ فيـهِ العِراقُ إلى غازٍ بـقِيمَةِ ( 5 ) مِلياراتِ دُولارٍ، وكان العَقدُ مَعَ شَرِكَةِ سيمنس كَفِيلٌ بـحَلِّ هذه المُشكِلَةِ.
إنَّ مِن بَينِ أبرَزِ أسبابِ ٱلصِّراعِ في المِنطَقَةِ ٱلسَّعيُ للـسَّيطَرَةِ على مَصادِرِ ٱلطَّاقَةِ فيـهـا لـما تُوَفِّرُهُ مِن عائِداتٍ ٱقتِصادِيَّةٍ بـما في اليَمَنِ حَيثُ مَناجِمِ ٱلذَّهَبِ والفِضَّةِ والأحجارِ الكَريمَةِ ٱلَّتي لو ٱستُغِلَّـت لـباتَ اليَمَنُ أكثَرَ رَخاءً وأقوَى ٱقتِصادًا، إلى جانِبِ الاستِفادَةِ مِن مِينائَي عَدَنٍ والحديدةِ، ومِن ٱلثَّروَةِ ٱلسَّمَكِيَّةِ وعائِداتِ مَضيقِ بَابِ المَندِبِ، وتُشيرُ ٱلتَّقديراتُ إلى أنَّ عَوائِدَ الاستِثمارِ الكُفءِ لـهذهِ المَجالاتِ يُمكِنُ أن يَتَجاوَزَ ( 250 ) مِليارِ دُولارٍ سَنَوِيًّـا.
المستوى الثالث :لم تَكتَفِ أميرِكا بـهَيمَنَتِـهـا على العِراقِ والمِنطَقَةِ والفَوضى ٱلَّتي أشاعَـتـهـا فيـهـا، بَدَأَت الآنَ بـما يُسَمَّى (غَسيلَ العَقيدَةِ) وهُوَ شَبيهٌ ب(ـغَسيلِ العُقولِ) أو (غَسلِ الأموال) ، عن طَريقِ بَرهَمَةِ ٱلدِّينِ الإسلامِيِّ عَبرَ طَرحِ( ٱلدِّيانَةِ الإبراهيمِيَّةِ) ٱلَّتي تَهدِفُ إلى ٱحتِواءِ الإسلامِ، والإتيانِ بـدِينٍ جَديدٍ يَرتَكِزُ على مَفهوماتِ ٱلشَّريعَةِ اليَهودِيَّةِ وتَعليماتِ الكَنيسَةِ المَسيحِيَّةِ. وغَسيلُ العَقيدَةِ هَيَّأَت لـهُ أميرِكا مُنذُ نِهايَةِ ٱلسَّبعينِيَّاتِ بَعدَ دُخُولِ الاتِّحادِ ٱلسُّوفِيِتِيِّ أفغانستان، حَيثُ طَرَحَ بريجينيسكي على ٱلدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ في زِياراتٍ مُتَكَرِّرَةٍ لـهـا دَعمَ جَماعَةِ الإخوانِ المُسلِمـيـنَ والمُجاهِديـنَ الأفغانِ وتَحشيدِ ٱلشَّبابِ العَرَبِيِّ للـذَّهابِ إلى أفغانِستانَ للـجِهادِ تَحتَ شِعارِ ٱلسُّوفِيِيتِ وٱلشُّيُوعِيَّةِ، مَركَزِ الإلحادِ والعِداءِ للإسلامِ.
وبَعدَ أن ٱنتَهَى هذا ٱلسِّيناريو عَمِدوا إلى دَفعِ ٱلدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ لـتَغيِيرِ مَناهِجِ ٱلتَّربِيَةِ الإسلامِيَّةِ وحِينَـهـا زارَت ٱبنَةُ نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (ديك تشيني) عَدَدًا مِن دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ وشَمالِ إفريقيا لـدَفعِـهـا لـتَغيِيرِ مَناهِجِ ٱلتَّعليمِ، وحَذفِ كُلِّ ما يَمِسُّ مُعارَضَةَ اليَهودِ، وٱلدَّعوَةِ للـتَّوافُقِ وٱلتَّسامُحِ مَعَـهـم، وكان للإعلامِ الغَربِيِّ دَورٌ في تَناوُلِ المَوضوعِ بـهَدَفِ إنهاءِ ٱلصِّراعِ العَرَبِيِّ الإسلامِيِّ مَعَ اليَهودِ لـتَكُونَ لإسرائيلَ الأولَوِيَّةُ في قِيادَةِ ٱلشَّرقِ الأوسَطِ الجَديدِ، وكان لـهـا فِرَقٌ عَسكَرِيَّةٌ ومَنظومَةُ رَصدٍ وتَجَسُّسٍ في الإماراتِ للـتَّجَسُّسِ على دُوَلِ المِنطَقَةِ بـٱلتَّعاوُنِ مَعَ بَعضِ الحُكَّامِ العَرَبِ وأميرِكا.
و للحديث بقية..
ربنا أنعم علينا بالرحمة والمغفرة..
و مدنا بالصبر و الميسرة..
البروفسور د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي