بالتأمل بالاهداف الكبيرة التي جاء بها القران، ومقارنتها بما حدث عامي ٤١-٦٠ للهجرة نستطيع ان نقول ان انتكاسة كبيرة المت بتلك الاهداف الكبيرة.
ايات عديدة لخصت تلك الاهداف الكبيرة مثل قوله تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات 56)
وهذه اساس المركب الحضاري الذي جاء به الاسلام.
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً( البقرة ٣٠)
وهذه اساس الديمقراطية بلغتنا المعاصرة.
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (الانشقاق 6)
وهذه اساس النظرة التكاملية للتاريخ.
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (العلق ١)
وهذه تمثل الاساس العلمي للمركب الحضاري.
وغير هذه الايات كثير.
لكن ماحدث عامي ٤١-٦٠ للهجرة كان مصادرة تامة للاهداف الكبيرة التي استبطنتها الهجرة وايات القران.
ما الذي حدث عامي ٤١ و ٦٠؟
في عام ٤١ هجرية ( ٦٦١ ميلادية) تولى معاوية الحكم منتصرا في حرب اهلية ضد القيادة الشرعية المنتخبة للدولة والمجتمع ممثلة في علي والحسن.
وفي عام ٦٠ هجرية (٦٨٠ ميلادية) تولى يزيد الحكم وراثة من ابيه معاوية.
كلا الحدثين شهد العراق تطوراتهما الدموية المتلاحقة من بداية اول حرب اهلية بعد وفاة الرسول اعني حرب الجمل انتهاء بمقتل علي في الكوفة سنة ٤١ هجرية ٦٦١ ميلادية.
لا علاقة للامر بالخلاف او النزاع التاريخي العقائدي والفقهي والسياسي بين الشيعة والسنة. فلم يكن معاوية سنيا ولا علي شيعيا، كما لم يكن يزيد سنيا ولا الحسين شيعيا. بلغتنا المعاصرة كان الاربعة شخصيات سياسية فاعلة تحمل وجهتي نظر مختلفتين حول ادارة المجتمع الاسلامي انذاك. مثل معاوية ويزيد وجهة النظر التي تريد ادارة المجتمع والدولة على الطريقة الجاهلية القديمة والكسروية المستحدثة؛ فيما كان علي والحسين يريدان ادارة الدولة والمجتمع بالطريقة الحضارية الجديدة التي جاء بها الاسلام. وهذا ليس خلافا شيعيا سنيا ابدا. ولهذا فاني ارجو من القاريء العزيز (سنيا كان ام شيعيا) ان يخرج هذا المقال والفكرة التي يطرحها من السياق الشيعي السني وملابساته الكثيرة.
تمثلت الانتكاسة بامرين اساسيين:
معاوية تولى الحكم بعد حرب اهلية شنها هو على القيادة الشرعية المنتخبة للدولة والمجتمع، ودارت رحاها بين العراق وسوريا، مؤسسا بذلك “شرعية القوة” في الاستيلاء على الحكم، تلك “الشرعية” التي اسست لامامة التغلب كما يقول الفقهاء او الانقلاب العسكري كما نقول الان. وكان اخر انقلاب عسكري شهده العراق قد حصل في ١٧ تموز عام ١٩٦٨.
ويزيد تولى الخلافة عن طريق الوراثة التي اسست لشرعية الحكم بالوراثة التي نشهد تمثلاتها الى الان في العراق.
وكان هذان الحدثان اساس “الاستبداد الشرقي” في البلدان الاسلامية.
بين انتكاسة معاوية ويزيد وانتكاسة سقوط بغداد تحت الاحتلال المغولي في ١٠ شباط من عام ١٢٥٨ حدثت الكثير من الامور من بينها اللحظة الحضارية التي لم تكن سوى صدى الصوت الحضاري الذي صدح يوم نزل جبريل بقوله تعالى “اقرأ”. وما ان خفت هذا الصوت حتى خفتت معه الحضارة الاسلامية وسقطت. ولم يكن سقوط الحضارة الاسلامية الا نتيجة محتومة لانتكاسة معاوية ويزيد.
المجتمعات تتطور عبر عملية تراكمية، اما سلبا او ايجابا، وقد حقق نموذج معاوية-يزيد تراكما هائلا عبر العصور حتى انتج صدام،
في حين انتج النموذج الذي جاء به الاسلام محمد باقر الصدر والامام الخميني بعد فترة توقف طويلة بعد مقتل علي والحسين اكتملت خلالها فصول الانتكاسة الحضارية.
للخروج من الوضع التاريخي الذي صنعته الانتكاسة، لابد من معالجة جذورها. وتتم المعالجة وفق مايلي:
بناء المركب الحضاري على اساس التوحيد الذي هو اساس رفض كل الدكتاتوريات، بما في ذلك نموذج حكم معاوية-يزيد.
بناء الشرعية السياسية على اساس الاستخلاف، اي ارادة الشعب الحرة الواعية، من خلال الديمقراطية والانتخابات.
بناء الدولة على اساس العقلانية والعلم الذي هو شرط الاستخلاف وعموده الفقري.