أود أن ابين بأني لا اقصد في هذه المقالة وزارة أو مؤسسة معينة بما جئت بها من نقد لعملية المفاضلة التي تجري لأشخاص على حساب اشخاص آخرين ولكني ذكرت ما هو موجود فعلاً في الكثير من مؤسساتنا الكبرى على وجه العموم عسى أن نجد في هذا الطرح الصريح الى من يستجيب للنداء الاصلاحي من العقلاء ، والحق الحق اقول بأننا لمسنا من الحكومة الحالية أصرار كبير وسعي دؤوب نحو عملية البناء لوضع الخطى على سُلّم التقدم والارتقاء ولكن مايزال مجتمعنا للأسف الكبير محكوم بتقاليد قديمة لاتتلائم مع ماتدعو اليه مقومات الحضارة الحديثة فصارت الكثير من تقاليدنا معرقلة لمسيرة التطور والعدل الذي نسعى اليهما منذ عقود طويلة .. لقد نشأت أجيالنا على مجموعة من التقاليد والطبائع المتأخرة الموروثة من الاجداد حتى امتزجت مع دمائها وصارت من ثوابت الحياة بل من شروطها على ما يبدو ولا يمكن الاستغناء عنها إلإ بثورة فكرية اصلاحية كبرى تتوغل بتيارها الجارف لتلامس نفوس مجتمعاتنا وتستبدل القديم التالف والاستعاظة عنه بما تدعوا اليه قيم الحضارة الجديدة شأنا أم أبينا فتيار الحضارة الحديثة هو الاقوى والاعظم شأناً ولا نستطيع ان نقف على الحدود لنمنع دخول ما يضر مجتمعاتنا و نسمح للأخرى بالعبور فقد صرنا سجناء التطور الغربي بعد أن جائنا بصناعاته المتقدمة وارغمنا على المسير وراء ركبه فهذه هي حصيلة تقاعسنا واهمالنا في البحث وطلب العلم والسعي وراء التقدم التكنلوجي عبر مئات السنين فقد شغلنا انفسنا بالمؤلفات الادبية من شعرٍ وقصة ونثر ونقد ادبي لايضر ولا ينفع ودخلنا في جدال وخلاف عميق عن ماقاله الفارابي وما جائنا به ابن المقفع وابي تمام والبحتري حتى وصل بنا الحال في لامبالاتنا الى ان نكتشف انفسنا فجأة بأننا اصبحنا سوق للصناعة الغربية المتقدمة ومصدر من مصادر انتعاشها الدولي ورقيها الحضاري فالصناعة القائمة على التطور العلمي هي التي ترتقي بسببها المجتمعات وتقوي شوكتها كما نرى ما وصلت اليه الدول الرأسمالية الاستعمارية التي عبرت الحدود لتحتل اراضينا وتستعمل خيراتنا .
موضوع الوساطات
لنعود من فضلكم الى موضوعنا الأصل ونبين بأن واحدة من تلك التقاليد التي سارت عليها مجتمعاتنا والتي اشرت اليها تخص موضوع الوساطات والمحسوبيات وتفضيل هذا على ذاك وتبادل المصالح الذي مازال متبعاً في مؤسساتنا العاملة ، فالبعض من السادة المسؤولين وغيرهم من اصحاب الصلاحيات والقرارات والمناصب المهمة يتجاوبون مع طلبات ومذكرات وعرائض تردهم من المدراء ومن هم بإمرتهم وقد يوافقون بشكل مطلق على ما جاء فيها من طلبات بدون تدقيق أو تمحيص لما ورد في مضامينها من معلومات أو استحقاق حقيقي لهذا وذاك حتى وان كان على حساب اشخاص اخرين بل تحصل الموافقة الفورية بلا اعتراض لكونه مرسل من (س) من الناس فحسب ! وقد يحاول المسؤول ان يظهر نفسه بأنه كريم ولا يرد طلب احد مثلما كان يفعله الخلفاء والوزراء الأمويين والعباسيين في منح الاف الدنانير من خزائن الدولة للشعراء والمتزلفين والمنافقين على حساب حصص الفقراء والمستضعفين ، اننا لا نرفض موضوع تكريم العاملين والمبدعين البتة بل يجب أن تكون هناك عدالة وانصاف في التعامل مع الرعية والنظرالى المثابرين والمحتاجين منهم بعين العدل والرحمة وهذا الموضوع لا يخص الامتيازات والعطايا المالية فحسب وانما يشمل ايضاً الاجازات والمساعدات الزمنية للمحتاجين منهم بشكل فعلي وخاصة النساء اللواتي بحاجة الى اجازات الامومة والنظر الى هذا الموضوع من الجانب الانساني الذي ينبع من توصيات ديننا الاسلامي العادل .
أن المسؤول ( س) تربطه علاقة وطيدة مع الشخص ( ص ) من الناس وتتضمن العلاقة تبادل المنافع بينهما أو صادف ان يكون من الاقارب أو من نفس سنة التخرج في الكلية وكانوا زملاء دراسة فلايمكن ان يرفض طلبه مهما كان في الطلب من ظلم وضرر وغبن لاستحقاق الأخرين . أن طريقة المفاضلة هذه للبعض على البعض الاخر في الحقوق والمنح والامتيازات وحتى الايفادات خارج القطر التي يحتكرها ثلة من الاشخاص في الوزارات هي عملٌ سيئ على سمعة تلك المؤسسات وكأنما لا يوجد غيرهم من يتقن القيام بتلك الانواع من المهام والواجبات على الرغم من عمل الجميع تحت مظلة واحدة وبنفس الجهود والمثابرة والامكانيات تقريباً سيولد الحقد والكراهية والعداء ومن ثم المشاكل في الدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية بسبب شعور الكثير من الآخرين بالظلم والغبن والاهمال وعدم منحهم نفس الحقوق التي حصل عليها أقرانهم على الرغم من أنهم كانوا مثابرين ايضاً في عملهم ومخلصين ومليئين بالحيوية والنشاط والاخلاص والحرص لإنجاز الواجبات الموكلة اليهم. يجب أن يعاد النظر من قبل السادة المسؤولين لموضوع منح الامتيازات والمكارم التي تمنح الى الرعية، فأما ان تكون عدالة في تلك الهبات لمستحقيها فعلاً أو لا يمكن تفضيل البعض على البعض الاخر ومن يدري لعل المستبعد من تلك الامتيازات هو أخلص في عمله من بعض المهملين المتقاعسين من اصحاب الوساطات والمراوغين والكذابين واصحاب الكلاوات الذين يستحوذون على هبات التكريم والامتيازات الاخرى كما هو موجود بالفعل في الكثير من المؤسسات العاملة. أن من يرى غيره يستفيد من تكريم او قدم وظيفي أو منصب على أثر وساطة او عطاء تشوبه الشكوك وهو مستبعد من تلك الميزة التي يستحقها أيضاً ومن يدري لعله بأمس الحاجة اليها فأنه سينصب العداء للمقابل بشكل لاإرادي وهذا ما يؤكده المختصون في علم النفس ويعمل على تشويه سمعه من كان السبب في حرمانه من هذا الحق ومنحه لغيره بلا مبرر او عذر مقبول لمجرد أنه من طرف فلان ذلك الماكر السمسار المراوغ الذي يصول ويجول بحرية كبيرة من دون رادع في فضاءآت المسؤول صاحب الصلاحيات. ان لهيئات الرأي في الوزارات ولجان التفتيش دور فاعل في كبح جماح هذا الانفلات الخاص بمنح العطايا والامتيازات والاكراميات والمناصب بدون استحقاق مثالي لأشخاص على حساب اشخاص اخرين فلا بد من وضع حدود صارمة لتلك الاعمال الخطيرة التي تعمل على زرع الفتن في مؤسسات الدولة ونصب العداء بين الاطراف المتصارعة بالخفاء والمؤامرات والدسائس والقيل والقال واستفحال النفاق للإيقاع بالغير التي تحصل بين المستفيدين والمتضررين حيث سيتسبب في ظهور مشاكل تعرقل عملية المسيرة الكبرى من وراء مساوئ تلك الوساطات والمحسوبيات التي جئت بها في مقدمة مقالتي هذه .