لا مراء أن الظروف الموضوعية المتأزمة تنتج بيئة يتسلل اليها التشاؤم و الأحباط من الحاضر و الخوف من المستقبل . فقد كانت الأيام و السنون التي عاشها المجتمع تشي الى الضياع و الخشية من القادم بفعل الكبت و الخطوب و الحروب و الاحداث التي يتوالى وقوعها و أساليب القمع التي لا مشاحة فيها كانت أسباباً في خلق واقع يتسم بالقسوة و ينتج التشاؤم . و كشفت الأعوام المنصرمة عن إستمرار التلوث بأسقام إجتماعية و سياسية و مذهبية و إعلامية , أسهمت بتعميق الفرقة بين أبناء المجتمع , من خلال خطاب الايديولوجيات المتنافرة في وسائل الاعلام و التواصل التي أشاعت الأحباط و كرست الانقسام بذريعة الحرية التي غدت تلامس الفوضى , و تراجع مصداقية المعلومات التي تعرض في وسائل الاعلام التقليدية و تفشي الإشاعات في الوسائل الجديدة , ما أدى الى وقوع حالات من الاضطراب و التشاؤم و تراجع سمعة الدولة داخلياً و خارجياً . أن هذهِ البيئة خلقت أضداداً, بفعل التفاؤل الذي يبزغ من ذات الانسان , لئلا تطغى السلبية و شل الدافعية في التفكير و العمل . ذلك التفاؤل يأتي في الغالب للإفلات من قبضة الأزمات و قسوة الواقع المحيط بالمجتمع . إذ نرى الانسان العربي مذ كان مطوقاً بالصحراء و الغزوات و الاقتتال القبلي أطلق مفردات تشع بالأمل . ومن مظاهر تفاؤلهم أنهم كانوا يسمون الركب المسافر ((القافلة)) أي الراجعة التي ستعود سالمة من مخاطر الطريق المتنوعة و يسمون (الصحراء المهلكة) التي قل أن ينجو منها من يجتازها (المفازة) أي التي فيها الفوز و النجح , و يسمون (اللديغ ) من تلدغه حية أو عقرب ((السليم)) تيمناً له بالسلامة و الشفاء و غيرها (خليل عبد الكريم , شدو الربابة) . و خلال الاعوام المنصرمة أخذت أسماءاً تشع بالتفاؤل تطلق على الافراد مثل سرور , أفراح , إبتهاج و كذلك على الاحياء السكنية خلاف الواقع كالزهور , الاحرار , سبع قصور وغيرها .
تواصل اعلامي
لذلك فأن المجتمع والبيئة لها بالغ الاثر على الانسان مثلما يرى علماء الاجتماع . و هذا التصور أكده أيضاً علماء الاعلام . إذ أضحت وسائل الاعلام أكثر فاعلية على المتلقي الذي يمضي جُل وقته مع تلك الوسائل لاسيما التواصل الاعلامي و الاجتماعي الذي يتسم جزء كبير من معلوماتها بالمبالغة و الاثارة و الكذب و الوهم الذي يميل اليه الانسان , ما أفضى الى التشويش و الضبابية في التفكير و السلوك , إضافة الى التصريحات السلبية التي تطلق من الساسة و المحللين للتأثير على إتجاهات الجمهور في بلد تحيق به التحديات الداخلية و الخارجية التي أنتجت اللامبالاة . بيد أن هذا التلوث الاعلامي و السياسي . لم يفقد عدد كبير من المثقفين و الكتاب و الصحفيين الرغبة في كشف الحقائق و إشاعة التفاؤل و إداء الدور الانساني بالحرص على التنوير , بكتابة المقالات و قصائد الشعر و التحقيقات الاستقصائية في الصحف الوطنية و تفسير الاحداث و الوقائع التي حصلت , و الحوار مع المختصين , في بعض الندوات و البرامج الثقافية و الفنية لإزاحة الاقنعة , و معالجة الازمات المفتعلة التي لم تزل تشكل عاملاً لجرح الاستقرار الذي ما برح هدفاً يرنو اليه الجميع . بيد أن التفاؤل مازال كامناً , لاسيما بعد إنطلاق حراك تشرين الكاشف عن وعي عفوي ورغبة جامحة في التغيير و الاصلاح , رغم إجهاض معظم النتائج التي تحققت – إعادة مجالس المحافظات مثالاً- فالشباب أخذ يتطلع الى رؤى و أفكار من شأنها أن تزيح أثقال الماضي و أمراض الحاضر , لان دينامية الزمن تشي للمستقبل رغم تشابه الاحداث أحياناً . و أن البناء و الارتقاء لا يشيد بالاوهام و الشعارات المزيفة و الرموز الانتهازية , و إنما بالعلم و الوعي و الارادة الصلبة و قبلها الايمان بضرورة التغيير لإضاءة المستقبل .